وضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حدّاً للجدل الدستوري والسياسي الذي أعقب تصويت المجلس النيابي على المادة 49 من مشروع الموازنة من خلال ربطها بالتوطين، بحيث وقّع مشروع الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2018 وطلب من المجلس النيابي إعادة النظر بالمادة المذكورة. ماذا يعني طلب الرئيس دستورياً ؟ وهل يُلزم المجلس في ضوء رسالة الرئيس بتعديل أو إلغاء المادة؟
ورد في اعلان توقيع الموازنة أنّ "فخامة الرئيس في صدد توجيه رسالة الى مجلس النواب، عملا بالفقرة 10 من المادة 53 من الدستور، والفقرة 3 من المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس النيابي الصادر بتاريخ 18/10/1994 يطلب بموجبها بواسطة رئيس المجلس النيابي، من مجلس النواب اعادة النظر بالمادة 49 من قانون الموازنة للعام 2018 المذكور أعلاه للأسباب التي سيتم تفصيلها في الرسالة".
حنين: وجب استخدام المادة 57 لإلزام المجلس بالتصويت مجدداً
ووفق مقاربة الخبير الدستوري النائب السابق صلاح حنين عبر " لبنان 24" ، فإن ردّ المادة من قبل رئيس الجمهورية كان يجب أن يحصل استناداً إلى المادة 57 من الدستور التي تمنحه صلاحية إلزام المجلس النيابي بإعادة التصويت على المادة المذكورة بالأكثرية المطلقة، أي بتصويت 65 نائباً وما فوقبحيث تنصّ المادة 57 على ما يلي "لرئيس الجمهورية بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يُرفض طلبه. وعندما يستعمل الرئيس حقّه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً ،وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره ".
وأضاف حنين "يمكن لرئيس الجمهورية أن يردّ المادة 49 ويرفق الردّ بتعليلات يطلب خلالها شطب المادة أو تعديلها، وهذا الحق ممنوح له وفق الدستور".
لكنّ رئيس الجمهورية استند إلى الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور " يوجّه رئيس الجمهورية رسائل إلى المجلس النيابي عندما تقتضي الضرورة"، وإلى الفقرة 3 من المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس" أمّا إذا كانت الرسالة موجّهة بواسطة رئيس المجلس، فعليه أن يدعو المجلس للإنعقاد خلال ثلاثة أيام، لمناقشة مضمون الرسالة واتخاذ الموقف او الإجراء أو القرار المناسب".
ووفق مقاربة حنين، هناك عدّة آليات دستورية يمكن لرئيس الجمهورية من خلالها أن يعيد القوانين "ولكل آلية موقعها وحالتها ومكانها المناسب .بالنسبة للمادة 49 من مشروع الموازنة، الآلية الوحيدة التي يمكن أن يستعملها رئيس الجمهورية في هذه الحالة للوصول إلى نتيجة، تكمن باستخدام المادة 57 ،والحقّ بالمراسلة الذي استخدمه لا يوازي الصلاحية الممنوحة له في المادة 57 ، أي رد القانون الى المجلس المجلس النيابي ،عندها يصبح المجلس ملزماً بالتصويت مرة جديدة على القانون وفق الأغلبية المطلقة على الأقل، ولا يمكن في هذه الحالة التصويت على القانون بأكثرية نسبية .أمّا حق الرئيس بمراسلة المجلس النيابي فهو مؤكّد وفق الدستور والنظام الداخلي للمجلس،ولا يمنع من استخدام أكثر من مادة ولكن الأهم هي المادة 57 ".
حنين لفت إلى أنّ الرئيس الياس الهرواي استخدم هذا الحق، وهو ليس حقاً فحسب بل واجب أيضاً، بحيث يمكن لرئيس الجمهورية التوجه إلى المجلس النيابي عبر رسالة خطية أو من خلال الحضورشخصياً ومخاطبة المجلس النيابي من داخل الهيئة العامة ،عندما يكون له موقف مهم متصل بشؤون وطنية مهمة وبتشريعات أساسية او بمشاريع من الحكومة يؤيدها ،بحيث يطلع المجلس على رأيه ويلفت إلى أهميتها ويعرض فلسفة المشاريع، ويعود للمجلس تعديل هذه القوانين وفق الآلية المحددة.
وفي حالات مماثلة لفت حنين إلى أنّ الرئيس الأسبق إميل لحود استخدم هذا الحق في ردّه قانون أصول المحاكمات الجزائية، "ونحن من ضمن مجموعة نواب صوتنا ضدّه في المرتين، والوحيدون الذين بقينا على موقفنا في حين أنّ عدداً كبيراً من الكتل أعادت التصويت بخلاف ما صوتت عليه في المرة الأولى ،وبصرف النظر عن التصويت، استخدم لحود في حينه الآلية المناسبة لردّ القانون من خلال المادة 57 ".
وبحسب مصادر مراقبة لم يعمد رئيس الجمهورية إلى ردّ المادة، ولم يطلب تعديلها أو إلغاءها واكتفى برسالة إلى المجلس النيابي لإعادة النظر بالمادة ،ربما هو موقف وسطي مقصود، لأنّه لا يرغب بإلغاء المادة بل بتوضيح الإلتباس الذي خلقته فقط،وربما لأجل ذلك لم يستخدم حقّه بالمادة 57 من الدستور.
إشارة إلى أنّ المادة 49 من الموازنة تمنح كلّ عربي أو أجنبي إقامة دائمة في لبنان له ولعائلته وأولاده القاصرين في حال تملّك شقة سكنية في لبنان،ولقد وردت في مشروع الموازنة وصوتت لصالحها معظم الكتل النيابية ومنها كتلة "التيار الوطني الحر"، واعترض النائبان سامي الجميل وسيرج طور سركيسيان، في حين امتنع 11 نائباً من "حزب الله" ونبيل نقولا وغسان مخيبر وطوني ابو خاطر وخالد ضاهر، ومنهم لأسباب لا تتعلق بهذه المادة. وبرّر النواب "فعلتهم" بالمنحى الإقتصادي الهادف إلى تحريك السوق العقاري وتشجيع الأجنبي على شراء الشقق بعد إيقاف القروض المدعومة من مصرف لبنان.