عندما وهنت الدولة الصفوية سادت الحروب و النزاعات إيران وكان للغزاة الأفغان الدور الأكبر في تدهور حالات المدن وفساد الاقتصاد والعودة بدولة الملوك الصفويين الى سلطة القبائل وهيمنة العشائر ومع ازدياد حدّة التوترات الداخلية وفقدان الأمن الاجتماعي برز من خيوط الوهن الداخلي قائد عسكري يدعى نادر شاه قلب الأمور رأساً على عقب بجعل الضعف قوّة عسكرية وسياسية اجتاح من خلالها كل من أفغانستان والهند والعراق ودخل في حروب لا تحص ولا تُعد حتى سُمي ولُقّب بنابليون الشرق بعد أن بسط سلطانه على منطقة شاسعة ودول عديدة وكان ينظر الى نفسه كأحد كبار الفاتحين .ويضيف خليل علي حيدر في كتابه العمامة والصولجان بأن "هذا القائد الفذ لم يكن على دين الملوك الصفويين أي أنه لم يكن شيعياً متطرفاً كما كان أسلافه وقد أمر بترجمة الكتب السماوية الى اللغة الفارسية".
إقرأ أيضًا: برلمان توريط النفس أو النأي بالنفس؟
بنى كما يذكر الكاتب نادر شاه سياسته المذهبية على اعتبار أن المذهب الشيعي مسؤول الى حد كبير عن تدهور البلاد وعن عزلة ايران عن بقية جيرانها ولتحرير ايران من عزلتها منع الاساءة الى الخلفاء الراشدين وأعاد ذكرهم في الوسط الايراني بالدعاء لهم في خطب الجمعة وبعد أن اعتلى نادر شاه العرش طالب باعتراف السلطان العثماني بالتشيع الاثني عشري كمذهب جعفري وذلك خلال مباحثات تمّت بين الجانبين وعندما زحف نادر شاه على العراق ومعه حشد كبير من الفقهاء ورجال الدين من إيران و أفغانستان ومناطق ما وراء النهرين تحت إشراف "علي أكبر" ملا باشي الشؤون الدينية في إيران، زار الوفد المذكور بمن ضمّ من فقهاء سنة وشيعة وبمعيّة والي بغداد العثماني مزارات الشيعة وضريح فقيه السنة الكبير أبي حنيفة وقد دعا الشاه نادر علاّمة العراق آنذاك السيّد عبد الله بن الحسين السويدي العباسي للإجتماع مع من في الوفد في المؤتمر الذي انعقد في النجف لحسم الخلاف السني - الشيعي وقد خاطب نادر شاه العلاّمة العباسي قائلاً: "إن في مملكتي فرقتين تركستان وأفغان يقولون للإيرانيين (أنتم كفار) فالكفر قبيح ولا يليق أن يكون في مملكتي قوم يكفّر بعضهم بعضاً، وأنت الآن وكيل من قبلي لإبلاغ والي بغداد بما رأيت وسمعت، "وفي اليوم التالي اجتمع الجمع وراء ضريح الامام علي في النجف وخاطب الملا باشي علي أكبر ممثل شيعة ايران شيخ بخارى العلامة هادي خوجة: "في الحقيقة لسنا بكفّار عند أبي حنيفة الذي عدّ المذهب الخامس بمذهب الامامية وجاء في كتابه الفقه الأكبر نحن لا نكفّر أهل القبلة ولكن لما تعقّب متأخروكم كفرونا، ولما تعقّب متأخرونا كفروكم و إلا فلا أنتم ولا نحن بكفار".
إقرأ أيضًا: بيروت بين عروبة المستقبل وفارسية الحزب
وفي ختام المؤتمر وقّع الجميع على بيان ختامي مطول يتضمن الاعتراف من قبل فقهاء إيران وأفغانستان وتركستان بصحة خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وعدم جواز الاساءة اليهم وقد هدّد نادر شاه من يسب ويشتم الخلفاء وأهدر دمه و دم عياله وكانت النتيجة أن صار ذكر الصحابة ومناقبهم ومفاخرهم في كل خيمة وعلى لسان الأعاجم كلهم بحيث يذكرون للراشدين أبي بكر وعمر وعثمان بمناقب وفضائل يستخرجونها من بطون الآيات والروايات بما يعجز عنه فحول أهل السنة.
كان ذلك في عام 1743م لحسم الخلاف السني - الشيعي وقد استطاع هذا القائد اللامذهبي من دفن مرحلة من تاريخ الخلاف السني - الشيعي ولكن جاء من بعده من أحيا سُنة الخلاف المذهبي والتي استمرت بأشكال وبوتائر مختلفة الى أن شهدنا نحن اليوم وجهاً من وجوهها البشعة لذا يبرز رجال في كل مرحلة من أمثال نادر شاه لإطفاء نار المذهبية الحارقة ومن قامة الرئيس نبيه بري الذي دعا أمس كما دعا من قبل الى تلاقي المملكة العربية والجمهورية الايرانية لعلّ وعسى يكون هناك مؤتمراً كمؤتمر نادر شاه والوالي البغدادي مع قبيل من فقهاء السنة والشيعة ويكون هناك بيان ختامي يهدر دم من يوقظ الفتن بين المسلمين.