شرحت إختصاصية التغذية، ناتالي جابرايان، لـ»الجمهورية» أنه «في ظلّ غياب الأطعمة المصنّعة قديماً فإنّ الإنسان كان يؤمّن احتياجاته الغذائية فقط من المواد الطبيعية، كاللحوم والدجاج والسمك والخضار والفاكهة.
في ذلك الوقت، لم تكن الحبوب، والمعكرونة، وحليب البقر، والشوكولا، والرقائق، والسكاكر، موجودة. من هنا نشأ مفهوم الـ»Paleo» الذي شدّد على أنّ أيَّ طعام لم يكن مُتاحاً منذ 100 عام وأكثر يجب ألّا يدخل المعدة لأنّ الجسم غير معتاد عليه وبالتالي سيواجه مشكلات صحّية مختلفة».
وتابعت حديثها قائلةً إنّ «هذا النظام الغذائي يجعل الأشخاص أكثرَ سعادةً لأنهم لا يحتاجون إلى احتساب السعرات الحرارية، إنما المطلوب منهم تحديداً التركيز على نوعية المأكولات. عند غياب الجرعة الكبرى من الكربوهيدرات، والحبوب، والسكر، والمعكرونة، والأطعمة المصنّعة، فإنّ وزن الجسم سينخفض تلقائياً. كذلك فإنّ مقارنة 400 كالوري ناتجة عن الأطعمة المصنّعة بالكمية ذاتها من المأكولات الجيّدة تختلف كلّياً لأنّ طريقة تعامل الجسم مع كلّ منها تكون غير مُشابهة. على سبيل المثال، يحوّل الجسم الكربوهيدرات إلى سكر حتى عند تناول الأنواع الجيدة منها كالحبوب الكاملة.
وعند الإفراط في الحصص، فإنّ ذلك يحوّلها إلى دهون في الجسم. أمّا التركيز على البروتينات، والدهون الصحّية، والخضار، والفاكهة، فيضمن الشبع بكمية أقلّ ما يساعد على خسارة الوزن إذا تمّ الانتباه إلى الحصص المستهلَكة».
لتفادي هذه الأطعمة
وأشارت جابرايان إلى أنه «وفق حمية «Paleo»، فإنّ سبب تزايد عدد الأشخاص الذين يعجزون عن هضم بروتين الغلوتين أو القمح بشكل عام وتفشي ظهور النفخة وتفاعلات سلبية أخرى يرجع إلى أنّ الجسم لم يعتد عليها مُسبقاً ولا يستقلب الحبوب بشكل صحيح وسليم. فضلاً عن أنّ القمح يخضع لإجراءات مصنّعة عدة تؤدي إلى تغيير تركيبته كلّياً. من دون نسيان وجود مادة «Lectin» السامّة في الحبوب بشكل عام، والتي يُعتقد بأنّ هذه الأطعمة تفرزها طبيعياً للتصدّي للحشرات والحيوانات وحتى الإنسان، لتكون بمثابة إشارة للتوقف عن استهلاكها».
وإلى جانب الابتعاد من الحبوب، لفتت خبيرة التغذية إلى أنّ «الـ«Paleo» يدعو أيضاً إلى الامتناع عن الحليب الحيواني والاكتفاء فقط بحليب الأم خلال الأعوام الأولى من الحياة، لاعتقاده أنه إذا لم يكن معظم الأشخاص يعجزون عن هضم اللاكتوز فإنّهم في غالبيتهم لديهم مشكلة مع الحليب بحد ذاته لعجزهم عن هضمه ورفض الجسم تقبّله. كذلك يحذّر غذاء رجل الكهف من الانجرار العشوائي وراء المنتجات المنخفضة الدهون. فصحيحٌ أنها قد تساعد على ضبط السعرات الحرارية، إلّا أنها تحتوي كيماويات ومواد أخرى تُضاف إليها حفاظاً على تركيبتها. ما يعني أنّ المنتجات الخاصة بالحميات قد لا تعني بالضرورة أنها صحّية وفعّالة».
ما المسموح؟
وتعليقاً على أبرز خصائص الـ«Paleo»، أفادت جابرايان أنها «لا تعني بالضرورة حمية منخفضة الكربوهيدرات وعالية البروتينات. الكربوهيدرات تبقى أساسية ولكن بكمية ضئيلة جداً والأفضل أن يكون مصدرها من الفاكهة والخضار، وفي المقابل الابتعاد من كل ما هو مصنّع. إنها تسمح باستهلاك لحم البقر القليل الدهون، والخنزير، والدجاج، والسمك، وثمار البحر كالقريدس والمِحار، والبيض العضوي (6 بيضات كحدّ أقصى أسبوعياً)، والفاكهة خصوصاً الفريز والشمّام والمانغو والتين، والخضار بمختلف أنواعها، والمكسرات، والبذور، وزيت الزيتون، وزيت بذور الكتان، وزيت الجوز».
وأوضحت أنّ «الفطور يمكن أن يتألف من الخضار كالسبانخ والبصل والبندورة والخيار أو العجّة، والغداء لفائف الخسّ بالتونة والجوز، والسناك بيضة مسلوقة، والعشاء شريحة لحم بقر مع خضار، وحلوى عبارة عن بوظة مصنوعة من حليب جوز الهند أو حليب اللوز».
نتائج واعدة
وختاماً اعتبرت جابرايان أنّ «هذه الحمية لا تملك نقاطاً سلبية لأنها لا تركّز على صنف غذائي واحد أو تعتمد على المكمّلات وغيرها من المواد، إنما تشجّع الاعتماد قدر الامكان على المأكولات الطبيعية فقط لا غير. لكن نظراً إلى أنها تدعو لتناول اللحوم الحمراء، وجب عدم الإفراط في كميّتها بعدما ثبُت أنّ ذلك قد يسبب مشكلات صحّية جدّية. وبما أنها قليلة الكربوهيدرات والسعرات الحرارية وتضمن الشبع لمدة أطول، يعني إذاً أنها مهمّة للتحكّم في الوزن، ومنع تخزين الدهون، وضمان استقرار الإنسولين.
وصحيحٌ أنّ العلماء في صدد إجراء مزيد من الأبحاث للتأكد كلّياً من انعكاسات الـ«Paleo» على الجسم، لكنّ الدراسات التي أُجريت حتى الآن أظهرت فاعليّتها في تحسين وظائف الجسم وتحفيز عملية استقلابه للمواد التي تدخله، جنباً إلى التحكّم في مستويات السكر والكولسترول والتريغليسريد في الدم، وتعزيز خسارة الوزن، ودعم صحّة القلب».