المواجهة المباشرة والشاملة في سوريا بين إسرائيل وإيران حتمية. هي لم تتأثر بحفلة الالعاب النارية التي نظمها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في السماء السورية يوم السبت الماضي. هذا ما يجزم به الإسرائيليون، ويلحون عليه الآن اكثر من اي وقت مضى. وهذا ما يتوقعه الايرانيون لكنهم يعملون على تفاديه بأي شكل برغم انهم يلوحون منذ سنوات بانه سيؤدي الى زوال الدولة اليهودية من الوجود، بكبسة زر..او على الاقل الى تدمير مدينتي تل ابيب وحيفا، على ما جاء في تهديد إيراني أخير.
التقديرات الاسرائيلية هي ان فرصة المواجهة المباشرة التي ينشدونها مع إيران محدودة بالاشهر الستة المقبلة، التي تسبق موعد إنتخابات التجديد النصفي للكونغرس الاميركي وما يليها من مفاجآت محتملة أهمها الشروع في مساعي عزل الرئيس ترامب من منصبه، او على الاقل حصاره في البيت الابيض، وهو ما يحرم اسرائيل من حليف متحمس لمثل هذه الحرب، بل من شريك مرجح في الانضمام الى معاركها من دون تحفظ.
التقديرات الايرانية هي أن المواجهة المباشرة في سوريا مع العدو الاسرائيلي لم يحن أوانها بعد، وما زالت تتطلب الكثير من التحضيرات العسكرية، والسياسية، لاسيما منها قرار ترامب المرتقب الشهر المقبل، بشأن بالاتفاق النووي والعقوبات الاميركية المتصلة به، وإن كان المرجح ان يجري تجديد الالتزام بالاتفاق وبالعقوبات، ومواصلة العمل على تعديله او إستبداله..أما إذا فُرضت المواجهة، فإن خوضها سيتحول على الفور الى قضية حياة أو موت بالنسبة الى إيران ونظامها السياسي.
القاسم المشترك الوحيد بين هذه التقديرات الاسرائيلية والايرانية، هو ان ترامب ينوي بالفعل الخروج من سوريا وتركها لروسيا. وقد كانت حفلة الالعاب النارية الاخيرة الاسبوع الماضي بمثابة تمهيد للانسحاب الاميركي من الازمة السورية، وليس مقدمة للمزيد من الانخراط في تلك الازمة، على ما شاع لدى الكثير من الواهمين والحالمين..الذين لم يلاحظوا حتى الآن ان التهريج السياسي الذي يمارسه الرئيس الاميركي يمكن ان يصل الى حد تنظيم لقاء بينه وبين الرئيس بشار الاسد على غرار اللقاء المرتقب في حزيران، يونيو المقبل،بين ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
وفي هذه الحالة يشعر الاسرائيليون بإلحاح اللجوء الى المواجهة المباشرة مع إيران، قبل ان يسفر الانسحاب الاميركي عن توسع إيراني إضافي في سوريا، يكرر السيناريو العراقي حرفيا. في المقابل يدرك الايرانيون أن تفادي هذه المواجهة او تأجيلها يمكن ان يضمن لهم تحقيق هذا التوسع وترسيخه بأقل كلفة ممكنة، ومن دون أي تحديات جدية..حتى ولو تجاوبت الدول العربية مع طلب إدارة ترامب الاخيرة إرسال قوات الى سوريا لملء الفراغ الاميركي. فالسباق مع العرب على النفوذ في سوريا يكاد يبدو محسوماً من وجهة نظر طهران. وهو تقدير صحيح الى حد بعيد.
لكن حتمية المواجهة المباشرة تحتاج الى إرادة أكثر من طرف. الاستعجال الاسرائيلي لا يكفي وحده لخوضها. لدى إيران مخارج وبدائل لمثل هذه المواجهة، التي قد تكون خاسرة لإيران وفق موازين القوى الحالية في سوريا، حيث تتمتع إسرائيل بحرية حركة جوية واسعة في السماء السورية، تكشف الوجود العسكري الايراني وتحول دون تناميه أو تقدمه نحو خط التماس المباشر مع القوات الاسرائيلية.
العمليات الامنية الخاصة هي خيار إيران الأول والأوحد. وهو خيار منطقي لا يلغي حالة الصراع مع العدو الاسرائيلي، ولا يعرض الاراضي الايرانية، لاسيما حقول وموانىء تصدير النفط والغاز لضربات إسرائيلية وأميركية مدمرة، حسب التهديدات الاخيرة التي وجهها الاسرائيليون والاميركيون الى طهران.
وهو خيار إيراني عاقل من وجهة نظر لبنانية بحتة، لأن المواجهة الاسرائيلية الايرانية المباشرة، إذا ما حصلت، لن تبقي صاروخاً نائماً لدى حزب الله، ولن تبقي حجراً على حجر في لبنان.