للمرّة الأولى في التاريخ (!) تلوح إمكانية حقيقية لحصول مواجهة «مباشرة» بين الإسرائيليين والإيرانيين في سوريا.. وانطلاقاً منها ربما وصولاً إلى لبنان.
حجم الضجيج المتبادل بعد قصف القاعدة الإيرانية في مطار «تي- فور» قرب تدْمُر، دلّ ويدلّ على أنَّ الطرفَين استنفدا مخزون التورية الذي سمح لهما طويلاً أن يتقاتلا بالواسطة! وأن يُبقيا حساباتهما تحت سقف الأدلجة ومفرداتها! وهذه كما هو معروف، تراوحت بين حدّي «الغدّة السرطانية المطلوب استئصالها»، من جهة طهران إزاء تل أبيب، و«الدولة الأولى الراعية للإرهاب» من جهة تل أبيب إزاء طهران.
ثم الأهم من ذلك: أمكن للطرفين الاستفادة القصوى من لحظة تقاطع مصالح في سوريا، وإن كانت حسابات كل منهما متنافرة إزاء الآخر. بحيث أن إيران برغم الاستنزاف البشري والمادي والقيمي الذي تعرضت له، أمكنها وفق قياساتها العجيبة، تثبيت نفوذها في سوريا وليس العكس، واستخدام ذلك النفوذ في سياق استراتيجيتها الذاهبة إلى إحياء رميم امبراطوريتها الموؤدة! وتوظيف هذا المعطى النكبوي والكارثي في معاركها المفتوحة مع الأميركيين والغرب والعرب والمسلمين بأكثريتهم.. و«تقريش» مردوده في الداخل والخارج. أكان لجهة التعويض عن الفشل الداخلي، بكل مراتبه، حسب ما أظهرته التظاهرات والردحيات المتبادلة بين «الإصلاحيين» و«المحافظين»: كما النتيجة التي انتهى إليها الملف النووي.. أم لجهة التبرؤ من صبغة الإرهاب «المقونن» و«الرسمي» من خلال الادّعاء بأنها جزء من الحرب عليه وليست رائدة في صناعته!
إسرائيل من جهتها راكمت في سوريا مكتسبات ما كانت تحلم بجزء يسير منها ولو بعد ألف ليلة صلاة عند «حائط المبكى» المدّعى! تفرجّت على مدى سنوات على تهتّك الأسس التي بُنيت عليها ثقافة النزاع المفتوح معها.. واستمتعت بدور «العدّاد» الذي يحصي يومياً وعلى مدار الساعة، أرقام الضحايا بين أعدائها! وكيف أنّ المطحنة الدائرة بكل زخمها وقوّتها وطقوسها وشعاراتها وثقافاتها، إنما تطحن عرباً ومسلمين في الدرجة الأولى! وتطحن معهم «قداسة» أمرين كبيرين. الأول هو أنها «العدو» المكتمل الشروط. والثاني هو «مقاومتها» و«الانتصار» عليها!
في سوريا، لجمت إسرائيل غريزتها العدائية لمصلحة عقلها الاستراتيجي والتكتيكي. فيما إيران فعلت العكس تماماً.. والمفارقة في حدّها الأقصى، هي أنّها تدّعي الذعر والخوف! فيما إيران «تدّعي الانتصار» و«الإنجاز».. وتتوعّد بالمزيد!
على أنَّ دوام هذه الحالة كان مشروطاً بدوام الاستنزاف وعدم انكسَار الميزان الميداني، ثم دوام صلابة الجسر الروسي بين الطرفَين في موازاة بقاء الحضور الأميركي ولو رمزياً على الأرض.. وتلك، مثلما يرى أهل الفصاحة والحصافة، شروط آيلة إلى الاندثار شيئاً فشيئاً، مفسحة المجال أمام صِدامٍ آتٍ برغم أنَّ إيران قدّمت ولا تزال، ما يكفي من «أدلّة» دامغة على أنّها لا تريده! وهي لم تفعل ذلك «مباشرة» مرّة واحدة في تاريخها «الثوري»! تماماً مثلما كان حالها أيام الشاه.. وطالما أنَّ «أعداءها»، مثلما هو واضح وملموس ومُعلن، هم العرب والمسلمون «الآخرون» حتى إشعار آخر.. وعلى مساحة تمتد من اليمن إلى شواطئ المتوسط!