على ضوء الخطب الانتخابية و التحريضية من كل الجهات تكتشف عمق الأزمّة اللبنانية في طبقة سياسية مستعدة لدفن الوطن ولأتفه الأسباب وتشير الى مدى بعد الحلم عن قيام دولة بمعايير الدول المتقدمة خدمة للإنسان فلا أحد مع أحد الا بقدر الحاجة الانتخابية اليه كرصيد بشري يعطي ويأخذ بحجم نفوذه في المنطقة ذات الأغلبية الطائفية وهذا ما دلّ على هشاشة التحالفات القائمة داخل الطبقة السياسية بحيث لم تعد الصلات السياسية محور التحالف بقدر ما باتت المصالح السياسية الانتخابية هي ديدن القوى التي استعانت على أصدقائها بأعدائها لتحسين شروط الفوز الانتخابي تعزيزاً لحسابات انتخابية تفرز القوى الطائفية وفق أحجام تمثيلية تعيد بنسبة مقبولة الحصص السابقة لها داخل المجلس النيابي لفقدان السيطرة على كسح سياسي يميل كفة الميزان لصالح جماعة النأي بالنفس أو لحزب دهورة النفس.
إقرأ ايضًا: بيروت بين عروبة المستقبل وفارسية الحزب
يبدو أن المعركة الفعلية ستبدأ لحظة ولادة البرلمان الجديد بعد أن استبعدها الإستحقاق الإنتخابي كونه يعيد انتاج الطبقة السياسية نفسها مع تغيير بسيط بحجم كل جسم سياسي وطائفي خاصة وأن أمام المجلس الجديد اعادة رسم السياسة اللبنانية وفق برامج الدعم الدولي لا وفق المزاجية السياسية اللبنانية كي تمرّ بسلام قوافل القروض الدولية وبدون الاصلاحات يصبح من الصعب توفير ممر آمن للقروض الاقتصادية وللمساعدات العسكرية ودون الاستسلام لرغبات المجتمع الدولي و الدول المانحة سيقع لبنان في نفق كارثي لا يقوم منه، خاصة وأن المسؤولين أعلنوا إفلاس الوطن لتضخم الأزمة الاقتصادية وارتفاع منسوب الدين العام وتراجع الدورية الاقتصادية عن غيرها من السنوات نتيجة سياسات توريط النفس في حروب المنطقة.
نحن أمام مرحلة جديدة يسهم فيها المجلس النيابي بشكل كامل، فإمّا يُسّهل عملية التجديد في الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية وإمّا يصعّب، وبين الممارستين فارق كبير يضع كل واحد منهما البلد في مكان ما، ما بين الاستقرار، وما يتبعه من بحبوحة، أو بين الفوضى وما يتبعها من ويلات، لذلك كان الرئيس سعد الحريري واضحاً في اعتبار المعركة في بيروت معركة قرار ما بين ايران و العرب وعليها يُبنى دور لبنان كشريك عربي ملتزم بخيارات العرب المؤيدة للسلام و الاستقرار أو كتابع إيراني ينفّذ طلبات إيران في التزام حروب المنطقة و إبقاء لبنان تحت عبء الدور السوري.
إقرأ أيضًا: اللوائح الشيعية للحجّ والزيارة
ليست العربية والفارسية الناشطة ما بين تيّار المستقبل والحزب مجرّد أداة من أدوات اللعبة الانتخابية ولا هي مجالاً متاحاً للتحريض والتعبئة المذهبية بقدر ما هي تعبير عن واقع الانتخابات القائمة وما نتائجها الاّ اقتراب من هذا البعد ومن هذه المقاربة بين طرفين نقيضين واحد قائم على الاعتدال وآخر قائم على التطرف، بين تيّار يغذي ظواهر الاعتدال وبين حزب يذكي نار التطرف بين تيّار يتحالف مع معتدلين وبين حزب يتحالف مع متطرفين ويعيد المنظومة الحزبية التي كانت قائمة فترة الوصاية الى الحياة السياسية ومن باب المجلس النيابي لإصباغ مشروعية شعبية لجهات ولأشخاص من غير الأهلية التمثيلية كونها حالات نبتت على حواش أمن الوصاية.
إن كسب المستقبل الانتخابي يعكّر صفو أخصامه كونه سيبقي لبنان في مشهد الاعتدال السياسي في حين أن رغبة الآخرين تكمن في دفع لبنان نحو التطرف لأن ذلك يجعل من لبنان ساحة متوترة تغلي على نار الحروب المذهبية القائمة .من هنا ثمّة حرص سياسي لتيارات لبنانية على دور تيّار المستقبل كقائد حكومي كيّ لا يقع لبنان في وضع حكومي محكوم بخيارات غير عربية ومعنى ذلك وضع لبنان في النار كما هو حال كل الدول التي ابتعدت عن الخيارات العربية والتزمت سياسات أعجمية.
هذا الفهم المتبادل، لكل من التيّار والحزب يعطي أكثر من سبب لبقاء لبنان خارج سياق الدولة المستقرة.