ماذا بعد الضربة التي وجهها تحالف الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا ضد أهداف تابعة لسلاح نظام بشار الاسد الكيميائي والتي لا تزال تتفاعل حتى الآن؟ وهل هناك من تغيير سيطرأ بعدها على مجرى الحرب في سوريا وتالياً على الواقع اللبناني المرتبط عضوياً بما يدور في هذا البلد المجاور؟

ما يمكن التأكيد عليه الآن بعد فجر الصواريخ الغربية التي دكّت فجر السبت الماضي البنية الكيميائية لنظام الأسد في دمشق وحمص أن القرار الاستراتيجي للرئيس الاميركي دونالد ترامب هو الانسحاب من سوريا. فبعد قصف مطار الشعيرات في نيسان الماضي والقصف الأخير جاهر الرئيس ترامب بالعزم على سحب قواته من سوريا بالرغم من محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ثنيه عن هذا القرار. وفي رأي المراقبين، أن هذا الانسحاب سيتحقق آجلاً أم عاجلاً وهو ما يلخصه إدوارد لوس في مقال له في “الفايننشل تايمس” قبل أيام والذي حمل عنوان “الوداع الاميركي الطويل للشرق الاوسط” وجاء فيه:”…إن الجمهور الاميركي فقد شهيته للقيام بأي مخاطرة في الشرق الاوسط. هذه هي الحقيقة قبل أن يصل السيد ترامب الى منصبه”. وفي موقع “سي ان ان” كتب فريد زكريا انه “على رغم انتقادات ترامب لأوباما فإنه يسير على طريقه في الملف السوري”.

لا أحد يمكنه اليوم أن يرسم صورة واضحة لما سيكون عليه الواقع في المنطقة عموماً، وسوريا خصوصاً، في اليوم التالي لانسحاب القوات الاميركية. ما يمكن تلمسه فقط هو ما بدأ اللاعبون الرئيسيون في الميدان السوري وخارجه يجاهرون به لملء الفراغ من طريق الصراع وليس الحلول. والشاهد على ذلك الغارة إلاسرائيلية عشية الضربة الغربية على مطار “تيفور” في ريف حمص، ما أدى الى إلحاق خسائر فادحة بالحرس الثوري الايراني. وهذه الغارة تمثل فتيل انفجار سيحين وقته على وطأة التهديدات المتبادلة بين طهران وتل أبيب.

على الضفة الإيرانية أکد مستشار قائد الثورة للشؤون الدولية علي أکبر ولايتي “أن جريمة إسرائيل باستهداف مطار تيفور العسكري لن تبقى من دون رد”. واستعادت صحيفة “كيهان” نموذج حرب تموز 2006 بين إسرائيل و”حزب الله” نموذجاً “في أي مواجهة مستقبلية بين محور الشر ومحور المقاومة والتي قد لا تكون بعيدة “. وسبق ما قالته “كيهان” موقف للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله قال فيه:”…أريد أن أقول للإسرائيليين، عليهم أن يعرفوا أنهم ارتكبوا خطأً تاريخياً… لا تخطئوا التقدير وأنتم وجهاً لوجه ومباشرة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، نقطة على أول السطر”!

على الضفة الإسرائيلية، أورد موقع “المصدر” الإسرائيلي الالكتروني تحليلاً كتبه يردين ليخترمان. وجاء في التحليل الذي حمل عنوان “إسرائيل تشعر بالاحباط بعد الهجوم الاميركي على سوريا” ان الدولة العبرية “تشعر بأن الهجوم الاميركي والاوروبي على سوريا كان مجرد تأدية واجب، وأن الحلفاء تركوها وحدها في المعركة ضد إيران… بدأت إسرائيل تستعد، لأن الإيرانيين يهددون بالانتقام ضد مقتل سبعة نشطاء كانوا مسؤولين عن تشغيل طائرة مسيّرة أثناء الهجمة الإسرائيلية ضد قاعدة T4‏‏ في سوريا قبل أسبوع، كما تشعر (إسرائيل) أنها قد تواجه وحدها التمركز الإيراني في سوريا في المستقبل”.

من المفيد الإشارة الى معطيات ديبلوماسية ترددت عشية الضربة السبت الماضي كانت تشير الى انه كانت هناك حملة وليست ضربة وتستمر أياماً وتؤدي الى قلب الاوضاع في سوريا وتصل آثارها الى لبنان. اوساط متابعة تحدثت اليها “النهار” أفادت ان التحالف الغربي الثلاثي كان يتجه الى تبنّي سيناريو القيام بحملة على غرار تلك التي عرفها إقليم كوسوفو في منطقة البلقان في جنوب شرق أوروبا في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ما أجبر منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) على شن هجوم على صربيا والجبل الاسود استمرت 78 يوماً، أدى الى ولادة ما بات يعرف منذ عام 2008 جمهورية كوسوفو المعترف بها دولياً منذ ذلك الحين. لكن ما يشبه تلك الحملة لم تقع في سوريا بالامس.

ماذا كان يتضمن سيناريو “كوسوفو” السوري الذي لم يتحقق؟ وفق الاوساط نفسها، فإن حملة عسكرية تستمر أياماً كانت ستؤدي الى انهاء كل قدرات النظام السوري الجوية التي هي في الوقت نفسه قدرات الحرس الثوري الايراني أيضاً، ما يعني ان كل المطارات العسكرية التابعة للأسد والحرس الثوري ستتعرض للتدمير الكامل، فلا يبقى من منشأة جوية إلا مطار دمشق المدني ومطار حميميم على الساحل السوري والتابع للقوات الروسية العاملة في سوريا. ومن شأن تدمير القدرة الجوية للنظامين السوري والايراني أن يجعل الاجواء السورية في ما يسمى “سوريا المفيدة” بإدارة موسكو وحدها، ويجعلها مسؤولة امام العالم عن أي طيران حربي في الأجواء السورية.

هل أصبح هذا السيناريو وراءنا؟ حتى الآن لا جواب. غير ان الفراغ المحتمل الذي ستخلّفه واشنطن ستملأه بلا ريب إيران وإسرائيل على مستوى الصراع. وفي زمن المونديال الذي سيقام في روسيا قريباً يمكن القول إن المنطقة على موعد قريب أيضاً، كما توحي المعلومات، مع نهائي حربي عاصف بين إيران وإسرائيل بدأت مرحلة الذهاب فيه بسوريا. أما مرحلة الاياب، فستكون في لبنان على حد ما بشّرت به “كيهان”… الله يستر!