بدأ الضرب تحت الحزام قبل نحو ثلاثة أسابيع من الانتخابات النيابية. حتى القوى المتحالفة في ما بينها بدأت منافساتها والمعارك بين المرشحين على اللوائح نفسها. صحيح أن التحالفات الهجينة قد تؤثر في حماسة المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية. وهذا ما يعرفه السياسيون ويسعون للتخفيف منه، باستنباط شعارات تصعيدية ذات بعد وجودي. وهذا الأساس الذي يرتكز عليه كل الأفرقاء، لا سيما تيار المستقبل في بيروت وحزب الله في البقاع الشمالي. كل الجولات والخطابات الانتخابية تحض الناخبين على المشاركة، هي عملية استنفار سياسية تقودها الأحزاب خوفاً من خروقات ومتغيرات يفرضها القانون النسبي، إذا ما انخفضت نسبة المقترعين، وبالتالي انخفضت معدلات الحواصل.
لا شك أن كل الخطابات ذات السقف المرتفع لا تزال تحت مظلّة الاستقرار، ولن تخرج عن المألوف، رغم حصول عدد من الاشكالات في الأيام الماضية، ومن المرجح أن تتوسع مروحة الإشكالات والإشتباك بين القوى المتنافسة، لكن الأساس هو أن هذه الإشكالات التي شهدها الشوف وبيروت لا تزال في خانة المضبوط وداخل البيئة الواحدة، بمعنى أنه لم يحصل أي إشتباك على خلفية سياسية مذهبية أو طائفية. بل هي إشكالات داخل كل بنية طائفية. وهذا يبقى محمولاً ولن يؤثر على سير العملية الانتخابية.
فيما ينحصر الصراع، بمعناه الطائفي أو المذهبي، في سياقه السياسي، تماماً كحال التراشق بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل، الذي يرفع شعار استعادة حقوق المسيحيين. وهذا ما تجلى في جولته الأخيرة في الجنوب. وكذلك بالنسبة إلى تيار المستقبل الذي يغدق الوعود على جمهوره. لكن الزيارة الجنوبية، لكل من الحريري وباسيل، أظهرت حجم الخلاف السياسي مع الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط. وهذا ما ردّ عليه الرجلان كل على طريقته. ولكن ساحة الردّ على الحريري كانت طرابلس حصراً، حيث جاء الردّ برمزيته الجغرافية، الشمال مقابل الجنوب. عقر دار حركة أمل مقابل عقر دار المستقبل.
وفيما ذهب الحريري إلى الجنوب من دون تنسيق مع بري، وذهب إلى حاصبيا وخلوات البياضة من دون تنسيق مع جنبلاط، عاجله برّي بالردّ في خطوتين مرتبطتين، الأولى في استقباله وزير العدل سليم جريصاتي، وما مثل اللقاء من مصالحة مع العهد، في إشارة من بري إلى الحريري بأنه قادر على فتح أبواب العلاقة الجيدة مع العهد حينما يشاء، ولن يترك الحريري يتحكم بمسار هذه العلاقة. والثانية، هي ردّ بري على الحريري بضربة تحت الحزام تتعلق بوقف البحث والنقاش في ملف العفو العام، والذي كان الحريري يرتكز عليه طرابلسياً لاكتساح تلك الدائرة انتخابياً وإعادة "حقوق السنة". فقد أعلن بري أن ملف العفو العام تأجل إلى ما بعد الانتخابات. ما يعني أن حلّه متأخر، فأحرج ذلك الحريري في الشارع الطرابلسي والشمالي، بعدما كان قد تعهد بحل هذا الملف في أسرع وقت. وكان قد تعرّض لنكسة معنوية أخرى من خلال موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الرافض التوقيع على العفو العام لأشخاص متورطين بدم العسكريين.
في موازاة هذه الضربة التي تلاقاها الحريري شمالياً، دخل النائب وليد جنبلاط على الخطّ أيضاً مغرداً:" نحذّر الّذين يتمتّعون بالمناصب الكبرى ويسيرون في تلك المواكب الجرارة ويتنصّتون يميناً وشمالاً على المواطنين، بأنّنا لسنا لقمة سائغة"، مركّزاً على أنّ "هؤلاء من حديثي النعمة لا تاريخ لهم إلّا الإنتهازية." وأكّد جنبلاط، أنّ "المرشح عن المقعد السني في طرابلس توفيق سلطان قبلكم جميعاً ومن الرجال الرجال. إنّه من رفاق رئيس الحزب الراحل كمال جنبلاط، فاحذروا من اللعب في النار". لطشة جنبلاط، بحسب مصادر متابعة، تستهدف المستقبل، وهي ردّ جنبلاطي على المستقبل في الساحة الطرابلسية، وهي لا تنفصل عن معلومات تشير إلى تلقي جنبلاط دعوات عديدة لزيارة طرابلس وتحديداً لزيارة الرئيس نجيب ميقاتي وتوفيق سلطان. ما سيمثل دفعاً معنوياً لهما، وردّاً على تصرفات الحريري، فيما جنبلاط يتريث في ذلك نظراً لحسابات أخرى.