قامت الولايات المتحدة الأميركية بضربتها "التأديبية" على سوريا بمساعدة فرنسية وبريطانية، ولم يحصل أي تغيير، وإن هامشي، في شأن المأساة التي تبيد السوريين.
فهذه الضربة التي تتناقض المعلومات في شأن مفعولها ودقتها، أغضبت المسؤولين الروس، اذ اعتبروها اعتداءً على سيادة "دولة حرة" من شأنه ان يؤدي الى "تدهور اقتصادها"، و... إهانة شخصية إلى الرئيس فلاديمير بوتين.
كله الا كرامة بوتين. فالمرحلة المقبلة تستوجب البحث الحثيث عن كيفية استرداد هذه الكرامة ومداواة الإهانة. أما عن الاقتصاد فحدِّث ولا حرج، فهو في عز ازدهاره، والى مزيد من النمو، مع القضاء على مزيد من المدنيين وتهجير من لا يموت. حينها، ما ينتجه يكفيه ويفيض عنه.
واذا عرجنا على السيادة فـ"هيهات يا بو الزلف عيني يا موليا". عفواً عفواً: "هيهات منا الذلة"، على أساس ان السيادة هي لروسيا بالتكافل والتضامن مع إيران وفرق القتل التي أنشأتها، وليس للنظام الاسدي الذي تحول عبداً مأجوراً للقيصر ومعه محور الممانعة.
لكن هذا كله لا يهم. المهم يكمن في الاستراتيجيا المرتقبة لرد الصاع صاعين إلى الشيطان الأكبر. والساحة الجديدة ستكون في إدلب حيث تم تجميع مئات الالاف من السوريين بعد تهجيرهم، لذبحهم كخراف في عيد الأضحى.
فقد قال الباحث الاستراتيجي والمحلل السياسي المؤيد للنظام الاسدي طالب إبرهيم ان الرد سيكون في ادلب للقضاء على الإرهاب. والهجوم على ادلب يبدو تحصيلاً حاصلاً، ولا يحتاج الى محلل سياسي وباحث استراتيجي. اهل المنطقة يرددون: ما النا غيرك يا الله.
الجرائم الممانعة في حق الشعب السوري لم تكن تنقصها حجة "العدوان الثلاثي"، فالقرار اتخذ بإبادة ما أمكن من هذا الشعب وتدجين من تبقى منذ ان هتف البعض: سوريا بدها حرية.
انكار وجود الأسلحة الكيميائية لا يلمع صورة النظام الاسدي ومعه الروس والحرس الثوري الايراني و"حزب الله". فالصورة وسخة كأصحابها، وملوثة بدماء مئات الالاف من القتلى ومعاناة ملايين المشردين في بقاع الأرض. هذا عدا المفقودين، إضافة الى الدمار والخراب والنهب والخوّات والابتزاز، وما الى ذلك من مفاعيل الحروب القذرة.
الضربة الأميركية الأخيرة لم تفاقم الوضع. وحدها المأساة المستمرة تتفاقم لأن من يتاجر بها لا يريد ان ينهيها قبل تحصيل الحد الأقصى من المكاسب.
لذا جاءت الملاحظة الأولى في شأن الضربة الاميركية لتشير الى نقمة خصوم النظام وخيبتهم بسبب التداعيات المتأتية عنها.
فقد اعتبر من يتأثر بالمجارز والفظائع التي يرتكبها هذا النظام، ان كل ضربة لا تقضي عليه تقوّيه على الشعب السوري وتمدّ يده أكثر فأكثر ليستفحل اجرامه.
التداعيات لا تنتهي، ولا سيما في ظل الفوضى والركاكة الطاغيتين على المجتمع الدولي والدول المتحكمة بهذا المجتمع.
ومن تابع جلسات مجلس الامن، لاحظ كمية الانشاء الخارجة عن الموضوع الأساس، وهو مبدأ قتل الشعب السوري.
يبدو سورليالياً في هذه الجلسة التركيز على الأسلحة الكيميائية المحرّمة دولياً، وكأن القتل بوسائل أخرى حلال زلال.
لا اعتراض على البراميل المتفجرة والصواريخ الروسية، التي تحول المدنيين الى ساحة تجارب لها. معادلة القتل او التهجير أيضا مقبولة، شرط ان يبقى التهجير مقتصراً على دول الجوار ولا يشغل بال الدول الأوروبية.
بضربة ثلاثية، او من دونها، لن تتوقف آلة القتل الممانعة للعدالة الدولية.
فقصف ما قيل انها مواقع لانتاج السلاح الكيميائي وتخزينه، قد يؤدي الى تدمير بعض أدوات الجريمة، لكنه يترك المجرم طليقاً، ولا يحمي المدنيين او يغيّر المعادلات الدموية التي تتواصل في عرض مفتوح على مزيد من الفظائع التي لا تهز شعرة في رؤوس أصحاب المصالح العظمى من خلال ما يحصل على الأرض السورية.
النظام، ومعه حماته، يعرفان ذلك جيداً، لذا اعتبرا هذه المرة أيضا انهما حققا انتصاراً جديداً. والدليل ان بشار الأسد لم يتأثر، إذ استفاق باكراً غداة القصف الأميركي، وتوجه الى مكتبه الانيق والعصري، الذي لا يشبه أماكن الخراب والدمار في الغوطة او القلمون او حمص او حلب، متأبطاً محفظته وشروره كتلميذ مجتهد للمحور الممانع. فهو يعرف ان بقاءه يعتمد على مثابرته وبدائعه في ضروب الوحشية.
طالما ليس بالكيميائي وحده يُباد الشعب السوري.