ولننظر الى دائرة بعلبك - الهرمل التي كانت لها «فرصة» جلوس النواب أنفسهم على كراسي النيابة نفسها التي تمّ تغيير فرشها مراراً لجودة القماش، فيما هم لم يتغيّروا، ورغم أعمارهم المديدة في السياسة، وصلنا الى 2018 وما زلتَ حين تقول بعلبك- الهرمل، فأنتَ تشير الى أنواع الحرمان كافة: شحّ المياه، غياب الكهرباء، طغيان الفلتان الأمني وعصابات السرقة... في هذه المنطقة لا فرص للعمل، وفي هذه المنطقة اعتاد الأهالي على الوعود الفارغة.
في هذه المنطقة أيضاً نواب عاشوا سنوات وسنوات يحضر بعضهم في التعازي، ويصرّح بعضهم الآخر في الإعلام، فيما يغيبون يومَ التشريع لمنطقةٍ أقلّ ما يمكن أن يُقال إنها عانت الحرمان بأبشع وجوهه. لكن في ظلّ ضبابية المشهد، تظهر اليوم لائحة تجرّأت على الوقوف في وجه «الثنائي الشيعي»، إضافة الى 3 لوائح غير مكتملة، عمادُها حزب «القوات اللبنانية»، تيار «المستقبل» والمستقلّون، تحالفٌ شكّل خطراً على العملاقَين الشيعيَين في هذه المنطقة واللذين لم يحسبا أن يُرفع الصوت في وجه تكتّلهما الصلب يوماً، غائباً عن بالهما أنّ للحرمان والاستهتار أبواقاً لا يمكن إسكاتها.
وفي زحمة المرشحين، يظهر العميد سليم الكلاس «مرشّحاً مستقلاً» على لائحة «القوات اللبنانية» عن مقعد الروم الكاثوليك، ورغم أنّ مسيرته تبرز قربه من «التيار الوطني الحر» بحكم الصداقة التي جمعته بـ»رفيق السلاح» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على مدى 30 عاماً، إلّا أنه اجتمع اليوم و»القوات» على مجموعة مبادئ، فيما فضّل «التيار» التحالف مع حزب البعث العربي الاشتراكي في هذه الدائرة، مقدّماً لكلّاس الذي يملك باعاً طويلاً في المؤسسة العسكرية، خدمةَ تجيير أصوات «العونيين» الذين ما زالوا على مبادئ «التيار» القديمة التي لا تتناسب والتحالف مع حزبٍ أيّد سوريا في أكثر الأيام التي كان «التيار» يعاديها.
الى جانب كلاس، مرشّح عن المقعد الماروني هو الدكتور أنطوان حبشي، لكن هذه المرة نتحدث عن مرشّح مناضل في صفوف «القوات»، آتٍ من عائلة متواضعة في دير الأحمر، وفي حالته لا شك في أنّ الأصوات المارونية «القواتية» ستصبّ له كتلةً واحدة، خصوصاً في الدير الذي صُنِّفَ من أكبر الكتل الناخبة بعد الثنائي الشيعي.
لكنّ السؤال الذي يُطرح هنا، هل سيلتزم كاثوليك «القوات» البقاعيون حزبياً وينتخبون حبشي؟ أم أنهم سيقترعون على أساس مذهبي ويصبّون أصواتهم لمصلحة إبن المذهب نفسه، أي كلاس، خصوصاً أنّ «الحكيم» رشّحه ولو لم يكن مُحازباً أو مناضلاً في صفوف «القوات»؟
في هذا السياق، يُجمع كل من حبشي وكلّاس على التأكيد لـ»الجمهورية» أنّ الناخب البقاعي سيهتم للبرنامج الإنتخابي في الدرجة الاولى، كونه يعيش حالياً إنتفاضة على واقعه بعدما أعطى صوته في الدورات السابقة على اساس القاعدة الحزبية ووجد أنّ الأوضاع لم تتغيّر.
«الأولويّة للإنماء»
ويؤكد كلاس من جهته، أنه مرشّحٌ مستقلّ متحالف مع «القوات اللبنانية»، لكنه يرى أنّ الناخبَ سيقترع لمَن سيؤمّن له الإنماء ويحقق له الأمن في منطقةٍ عانت الحرمان ولم تُخرجها الطبقة التي كانت تنوب عنها في السلطة في الدورات الإنتخابية السابقة من القعر الذي كانت تغرق فيه، خصوصاً أنّ عدد المنتسبين للأحزاب والملتزمين بها ليس مرتفعاً، وبالتالي لا يمكنها فرض أجندتها على كل مناصريها.
لا يؤيّد كلاس كلمة «خرق» ويرفضها في البقاع، «نحن لا نخرق «حزب الله»، بل إنّ كلاً منا يمثّل قاعدته»، يقولها العميد حازماً، ففي باله «فئة أصبحت كبيرة ممّن في حناجرهم صرخة وفي قلوبهم انتفاضة على حال البقاع اليوم»، وفي رأيه «سيُمثلون هذه الدورة بمجموعة تشبههم».
«نحنا والعميد في خطٍّ واحد»
يوافق حبشي على أنّ أهل البقاع ملّوا الوعود وينتظرون الإنتخابات لإحداث تغيير في منطقة غابت عنها المشاريع، خصوصاً أنّ المعارضة في بعلبك - الهرمل هي الى ارتفاع وقد تكون للمرة الاولى منذ عام 1992 تحدث انتخاباتٌ فعلية في هذه المنطقة والقانون يحفّزها. لكنه يؤكد أنّ جميع النواب الذين سينجحون من لائحة «الكرامة والإنماء» لن يمانعوا في مدّ أيديهم الى «حزب الله» من حيث التنمية، لأنّ الحرمان في المنطقة لا يعرف حزباً أو طائفة، أما سياسياً فإنّ النقاش جائز.
إذاً قد يقترع بعض «القواتيين» غير المنتسبين للحزب لكلاس سواءٌ من منطلق مذهبي أو لشخصه، وسيصبّ الحزبيون في صناديق حبشي لثقتهم بقرار حزبهم ولشخص حبشي الذي لاقى إعجاباً لدى القاعدات الشعبية في غالبيّتها، لكنّ الأكيد أنّ عدداً كبيراً من مناصري «التيار الوطني الحر» لن يلتزم ما قرّرته قيادته، ليقينه أنّ قاعدة «التيار» الأساسية في هذه الإنتخابات كانت «منتحالف مع يللي بيربّحنا، مين ما كان».