بمقدار الحرج الذي حققته الضربات الاميركية البريطانية والفرنسية للنظام السوري وحلفائه، ستتسبب القمة العربية المنعقدة في المملكة العربية السعودية بحرج لبناني. هي سلسلة من مراحل إسقاط مصطلحات تعاكس الواقع. فكما تسببت هذه الضربات بتعويم النظام السوري، وتوفير خدمة للإيرانيين وتسليم الروس الملف السوري كلياً، فإن قمّة الظهران ستمنح لبنان والتسوية المبرمة فيه جرعة إنعاش جديدة. لعلّ من يختصر تلك النقاشات كان الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر من السعودية أن حزب الله يلتزم بنود التسوية. هذا الأساس، وبقية الشعارات والمواقف التصعيدية لا تعدو كونها لحفظ ماء الوجه. تماماً، كما كانت الضربات والتعاطي معها من قبل الغرب والروس. لعلّ المشكلة الأساسية تكمن في العدوى العربية المنتقلة إلى الغرب. رفع شعارات وتصعيد في المواقف، فيما يبقى الواقع مغايراً.
منذ سنوات، تأتي بيانات القمم العربية متشابهة، بلا تحقيق أي منها. تماماً مثل التهديدات الغربية بشن ضربات ضد النظام السوري، وتحجيم نفوذ إيران في سوريا. لم يتحقق شيء منها. فإيران لزّمت قبل أيام مشروع تشييد اوتستراد دولي من أراضيها إلى سوريا، بنحو 20 مليار دولار. فيما البيانات تركّز على ضرورة إخراج إيران من سوريا ومواجهة نفوذها.
لكأن الضربات منحت إيران مشروعية دولية للعمل في سوريا، وللاحتفاظ بمنطقة نفوذها وربما بتوسيعها. ومع مشاركة لبنان بقمة الظهران، فإن مشروعية التسوية تعني التسليم بتسيّد حزب الله، على عكس الكلام الدائر في شأن عزله وتحجيمه وإنفضاض حلفائه عنه. في القمة العربية السابقة، في الأردن، حصل حزب الله على ما لم يحلم بالحصول عليه في الحكومة اللبنانية، إذ أكد البيان أن "تجديد التضامن الكامل مع لبنان وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له ولحكومته ولكافة مؤسساته الدستورية، بما يحفظ الوحدة الوطنية اللبنانية وأمن لبنان واستقراره وسيادته على كامل أراضيه، وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، والتأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً".
هذه الفقرة نسفت كل الكلام التصعيدي تجاه الحزب، وأكدت أن الأمور في اتجاه آخر. وكما هي الحال عند كل استحقاق عربي، تدور في لبنان تحليلات وتخيلات بشأن التصعيد في الموقف العربي نتيجة نشاط حزب الله ودعمه الإرهاب وفق وصف الدول الخليجية. لكن النتيجة في النهاية كانت استمرار الوضع على ما هو عليه. يشارك لبنان ممثلاً برئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري في قمة الظهران. وهذه المشاركة وحدها كافية لتبديد أي حرج لبناني متخيّل.
لم يختلف المتوقّع من هذه القمة عن بيانات القمم السابقة. في الشق المتعلق بلبنان، فإن الحفاظ على التسوية فيه واستقراره بند ثابت. وهذا كاف للاعتراف ببقاء الوضع الحالي على ما هو عليه. فكل المواقف لم تكن ذات بعد عملاني، لا سيما تلك التي تتعلق بإدانة حزب الله أو أنشطته، أو حتى وصفه بالمنظمة الإرهابية، إذ إن بيان القمة وصف الحزب بالإرهابي في ثلاث فقرات، تتعلّق بإدانة التدخل الإيراني في الشؤون العربية. وهذا ما سيتحفّظ لبنان عليه أيضاً، لحفظ ماء الوجه. ولكن، في مقابل هذا التحفظ، تمسّك لبنان بعدم الخروج عن الاجماع العربي. هو التناقض الثابت والمرافق لكل الاستحقاقات العربية أو الدولية. تحت شعار لن نسمح لإيران بالتمدد في سوريا، سيطرت طهران على سوريا، وتمددت إلى أربع عواصم عربية. واليوم، لبنان يمتلك شعار النأي بالنفس، لتخطي كل الحواجز والعقبات السياسية في المحافل العربية والدولية، في استمرار لمعارضة الواقع كل الشعارات المرفوعة.
ولعلّ الأهم بالنسبة إلى لبنان هو ما جاء على هامش القمّة، لا سيما اللقاء الذي جمع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري. وتفيد مصادر متابعة بأن الملك السعودي أكد دعم بلاده لبنان الذي عاد إلى أولويات الاهتمام السعودي. وسيظهر ذلك في الفترة المقبلة، مع التشديد على ضرورة حفاظ لبنان على وحدته واستقراره، وتعزيز عمل المؤسسات الرسمية فيه، مقابل إضعاف التنظيمات غير الشرعية.