لا يمكن أن يقوم الاقتصاد على الذكور فقط، ولا بد من مشاركة المرأة في الانتاج والعمل بحيث يكير حجم الناتج المحلي. لا تشارك المرأة بعد كما يجب وتبعاً لطاقاتها الكبرى في العمل الاقتصادي. المرأة لا تشارك في قطاعات أخرى أيضا كالسياسة حيث أن تمثيلها في المجالس النيابية والحكومات ما زال ضعيفاً الا في دول قليلة جداً. المطلوب من المرأة نفسها أن ترغب في الدخول الى الحقل العام لأن المنافسة قوية واذا غابت الرغبة ساءت النتائج.
العوائق في وجه المرأة اجتماعية وعملية من دون أن يكون هنالك أي مبررات من ناحيتي العلم والقدرة على الانتاج والابداع. ما هي هذه العوائق؟ ولماذا تبقى فوارق كبرى في الأجور؟ شركات اليوم توظف أكثر فأكثر النساء. في الاحصاءات، 25% من المراكز العليا في الشركات تشغلها نساء، وذلك في 36 دولة أجريت دراسات مفصلة داخلها. هنالك تقدم نقطة واحدة منذ سنة 2016 و 6 نقاط منذ سنة 2004. 19% من أعضاء مجالس الادارة في هذه الدول هم من النساء أي بزيادة 14 نقطة عن سنة 2012. تقدم واضح، لكن المناصفة ما زالت بعيدة. لماذا؟
أولاً: التفريق أو التمييز الذي يمارسه الاداري ليس فقط بين الرجل والمرأة وانما بين الأعراق والأديان والأصول. معظم المسؤولين في الشركات بما فيها الغربية هم رجال ومن العرق الأبيض. تشير الدراسات الأميركية الى أن أجر الرجل الأبيض هو الأعلى والرجل الأسود هو الأدنى وبينهما النساء البيض والسود. أما الدين، فيختلف من دولة الى أخرى تبعاً للأكثريات. تشير الاحصاءات الى أن الرجال يوظفون رجالا والنساء يوظفن نساء. بما أن أكثرية رؤساء الشركات هم من الرجال، تجد المرأة صعوبة في خرق حاجز الجنس الذي ينعكس أيضاً فارقاً في الأجر والتقدم والتدريب.
ثانياً: هنالك واقع وهو أن المرأة تنجب الأطفال وتبقى معهم في المنزل لسنوات، مما يؤخرها في عملها في المركز والأجر. تهتم المرأة أكثر برعاية الأهل والمسنين، وبالتالي يكلفها. الفارق في معدل الأجر بين الرجل والمرأة خف مع الزمن، انما يبقى كبيراً تبعاً للدول والمجتمعات والقطاعات. في الدول التي فيها احصاءات لفوارق الأجور بين الجنسين وتبعا لمنظمة العمل الدولية، تأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الأسواء حيث يصل الفارق الى 35% وثم الهند واليابان وروسيا وأفريقيا الجنوبية. أفضل الدول التي تعامل المرأة من ناحية الأجر هي سنغافورة حيث لا يتعدى الفارق 5% ثم بلجيكا وكندا وسويسرا وهولندا. في القطاعات، يختلف الفارق بين الأسواء في البناء والمال والطب والأفضل في العلاقات العامة والتسويق والمبيعات. تختلف الفوارق أيضاً تبعاً للأعمار حيث تخف للصغيرة أي بين 22 و 29 سنة وتكبر للمتقدمة أي بين 50 و 59 سنة. في كل الدول المدروسة باستثناء الولايات المتحدة، زادت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة أفضلها في ايطاليا والتشيلي والمكسيك من دون أن ينعكس ذلك على فارق الأجر.
ثالثا: قسم كبير من النساء يرغب في العمل جزئيا بسبب الاهتمامات الأخرى. طبعا الأجور أدنى لأن ساعات العمل أقل كما أن طبيعة العمل مختلفة. من هذه القطاعات التدريس المنزلي والرعاية والتمريض والكتابة الصحافية والأعمال المرتبطة بالسياحة.
ما المطلوب لدفع المرأة أكثر الى الحياة العامة علما أن هنالك مصلحة بمشاركتها أكثر في الأعمال والسياسة والاجتماع؟
أولاً: هنالك دور كبير للدولة في وضع التشريعات والقرارات والمراسيم التي تشجع وتسهل للمرأة الدخول الى الحياة العامة. يجب العمل على الطلب أي اذا لم ترد المرأة الدخول الى معترك العمل السياسي والاقتصادي، فلن تنجح الجهود في دفعها اليها. كي يرتفع الطلب، المطلوب التوعية من قبل الدولة والجمعيات النسائية وتوافر القطاعات المساعدة لها في الاهتمام بالأطفال والمسنين عندما تذهب الى العمل. دور الرجل كبير في دفع المرأة الى العمل، وهذا أصبح أسهل لأن الأسر تحتاج الى أجرين كي تسدد كل النفقات الأساسية والضرورية.
ثانياً: العمل على العرض أي أن تطلب الشركات العمالة النسائية وهذا يتحسن مع الوقت لأن النساء أصبحت متعلمة جدا وانتاجيتها عالية وهنالك حاجة اليها بسبب التدني الديموغرافي العام. تشير الدراسات الى أنه يمكن للناتج المحلي الاجمالي أن يرتفع 5% في الدول التي تحرر العوائق الاصطناعية أمام دخول المرأة الى العمل والانتاج. تحرير العوائق في القوانين مهم جدا، الا أن الأهم تحريرها في العقل والممارسة والتقاليد.
ثالثا: من المهم جدا دفع النساء نحو تأسيس الشركات الصغيرة الجديدة التي تسمح لها بالعمل من المنزل وفي الليل كما النهار. الأمثلة عديدة في القطاعات الحرفية والمهنية والتكنولوجية والأداب وغيرها. تصبح المرأة عندها صاحبة الشركة ورئيستها ويمكنها بفضل التكنولوجيا أن توظف نساء أخريات تعملان أيضا من منازلهن. يجب تسهيل التمويل للنساء من قبل السلطات العامة والمصارف المركزية. يجب الدعم المعنوي أيضاً من الجميع كي تنجح المرأة في مختلف المهمات التي ترغب في القيام بها.
(الدكتور لويس حبيقة)