دعا حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي المرشّح لانتخابات الثاني عشر من مايو القادم، إلى “ثورة” لحماية المال العام يتمّ بموجبها فتح الآلاف من ملفات الفساد.
وجاء ذلك غداة افتتاح الحملة الدعائية للانتخابات النيابية التي سيسعى العبادي للحصول من خلالها على ولاية ثانية على رأس الحكومة، التي قادها منذ سنة 2014، في مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد، شهدت حربا ضروسا ضدّ تنظيم داعش خلفت خسائر بشرية ومادية باهظة، وألحقت دمارا هائلا بالبنى التحتية والمرافق الحيوية للكثير من المناطق والمدن، وواجه العراق خلالها مصاعب مالية واقتصادية كبيرة.
وسيكون موضوع الفساد الذي يمثّل مشغلا هاما لدى العراقيين نظرا لانعكاسه المباشر على حياتهم، مدارا رئيسيا للحملة الانتخابية.
ولا يكفي العبادي أن يقيم حملته على أهم إنجازاته خلال فترة رئاسته للحكومة والمتمثّل في قيادته الحرب على تنظيم داعش وتحقيقه نصرا عسكريا عليه، استمدّ منه اسم ائتلافه الانتخابي “ائتلاف النصر”، ذلك أن منافسين كبارا ينازعونه الإنجاز نفسه وهم قادة الميليشيات الشيعية التي شاركت في الحرب ذاتها ضمن الحشد الشعبي، وقد شكّلوا بدورهم مع عدد من الشخصيات والتيارات السياسية ائتلافا تحت مسمّى الفتح بقيادة زعيم منظمة بدر هادي العامري.
ويمثّل الفساد الذي انتشر بشكل غير مسبوق في جميع مفاصل الدولة العراقية إحدى أكبر المعضلات التي ابتلعت موارد الدولة، وأصبحت عائقا في طريق التنمية والاستقرار. والعراق من بين أكثر دول العالم فسادا، وفق مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية. وبدأت فجر السبت الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية في العراق التي من المقرر إجراؤها في 12 مايو القادم، وتقدّم إليها نحو سبعة آلاف مرشح سيتنافسون على 329 مقعدا في البرلمان.
وتكتسي هذه الانتخابات أهمية تجاوزت أهمية الدورات الثلاث السابقة، إذ تأتي مباشرة بعد الحرب على تنظيم داعش، التي بقدر ما ألحقت بالبلد من خسائر وأضرار على مختلف المستويات، فقد عرّت أخطاء العملية السياسية الجارية منذ سنة 2003 وكشفت ضعف الدولة ومساوئ الممسكين بزمام قيادتها، وأذكت توق العراقيين وحماسهم للإصلاح والتغيير. ومن هذا المنطلق يستمدّ عنوان الإصلاح ومحاربة الفساد أهمّيته في الحملة الانتخابية، حتّى أن شخصيات متهمة على نطاق شعبي بالفساد ومحسوبة ضمن كبار رموزه، لا تتردّد في رفع لواء محاربة الظاهرة في الحملة ذاتها.
منافسة العبادي على أرضية النصر العسكري الذي قاده على تنظيم داعش، غير كافية لضمان تجديد ولايته على رأس الحكومة
وخلال منتصف ولاية العبادي على رأس الحكومة، شهد الشارع العراقي إحدى أكبر موجات الغضب من الفساد وأهله، ما دفع رئيس الوزراء إلى الإعلان عن حملة واسعة للإصلاح ومقاومة الفساد.
غير أنّ الأمر كان أكثر تعقيدا من مجرّد توفّر إرادة شخص أو مجموعة في قيادة الدولة، إذ أنّ الفساد في البلد أصبح أشبه ما يكون بمؤسسة على رأسها قادة كبار سياسيون وعسكريون وحتى دينيون، وهو ما جعل العبادي يعجز عن الذهاب بعيدا بحملته ضدّ الفساد ويكتفي بإجراءات وصفت بالشكلية بعيدا عمّن يوصفون بـ”الحيتان الكبيرة”.
وقال العبادي في كلمته خلال افتتاح المؤتمر الوزاري السادس للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد “إننا لم نتمكن من الانتصار على داعش لولا محاربتنا للفساد، فهناك علاقة بين الفاسدين والإرهاب وإننا إذ نستعيد بلدنا وأرضنا ومواطنينا، نؤكد عزمنا على حماية المال العام. ومسؤوليتنا جميعا حمايته كل من موقعه”.
وأضاف “لن نتردد أمام فتح أي ملف فساد سواء كان المتهم هذا الشخص أو ذاك. والفاسدون يعرفون جيدا جدية العمل الذي نقوم به وخطورته عليهم”، مشيرا إلى أنّ “عدم توزيع الثروة بشكل عادل هو فساد ولا يجوز أن يستأثر القلة بالثروة على حساب عامة الشعب”.
وأكد العبادي قوله “إننا بحاجة إلى ثورة لحماية المال العام وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولا يمكن محاربة الفساد بالطرق التقليدية”، داعيا إلى “نظرة جذرية” لمكافحة الظاهرة.
كما حاول رئيس الوزراء الدفاع عن رصيده في محاربة الفساد خلال ولايته التي تشارف على نهايتها، قائلا “ليس من الإنصاف التقليل من الخطوات التي اتبعناها لتقليص حجم الفساد، فهناك الآلاف من ملفات التحقيق التي فتحت في قضايا كبيرة وتمت إحالة الكثير من المتهمين إلى التحقيق والنزاهة وصدرت بحقهم أحكام قضائية مختلفة”.
وخلال العام 2017 أصدرت هيئة النزاهة -مؤسسة حكومية تتولى مهمة ملاحقة الفاسدين- أكثر من ألفي أمر اعتقال بتهم تتعلق بالفساد من بينهم 290 مسؤولا حكوميا بينهم وزراء.
ونادرا ما يتهم رئيس الوزراء العراقي الحالي بالفساد، لكنّه يُتّهم بالعجز عن الإطاحة بكبار الفاسدين، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي
يقود حزب الدعوة الإسلامية وهو نفس الحزب الذي ينتمي إليه العبادي نفسه، ولو شكليا.
ويقول مقرّبون من العبادي، إنّ محاربة الفساد ستكون على رأس أولوياته في حال فوزه بولاية ثانية، إذ سيكون في موقع قوّة إزاء دوائر الضغط التي يشكّلها كبار أصحاب النفوذ، كما أنّ العبء الأمني والاقتصادي سيكون أقلّ وطأة مما كان عليه خلال السنوات الأربع الماضية.