الأكيد أنّ «التيار» بحاجة الى خطوة تجريبية مماثلة كونه يخوض كغيره من الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية، الاستحقاقَ النيابي وفق قانون جديد استدعى قواعدَ غيرَ مألوفة لم يعرفها الجمهور من قبل، وتحديداً لناحية الاقتراع، ولم تتآلف الماكينات معها خصوصاً في طريقة احتساب الأصوات وفرز النتائج.
والأكيد أيضاً أنّ «التيار» يحتاج الى مجهود مضاعف- قد لا يتمكّن من تحقيقه- لإقناع ناسه بأنه يسيطر على الوضع تماماً وبأنّه لن يواجه الإرباك أمام صناديق الاقتراع، نتيجة الضياع في صفوف ماكيناته المناطقية الموزّعة على معظم الدوائر الانتخابية بسبب الإشكالات الداخلية.
ولكن ما هو غير مؤكَّد، هو أن يتمكّن «التيار» من خوض الانتخابات بدقة متناهية تجعل من توقعاته قبل السادس من أيار متطابقة مع نتائج «اليوم الكبير»، وذلك بسبب «الحروب» المشتعلة بين الأخوة على الأصوات التفضيلية التي قد تحول دون «قسمة الحق» بين «رفاق الصفّ البرتقالي»، والضياع الذي تعاني منه الماكينة الانتخابية بفعل رزمة عوامل، أبرزها سطوة بعض المرشحين على الماكينة المناطقية، وتراجع حركة التطوّع والخلافات بين المرشحين العونيين.
يقول أحد المطلعين على الشأن العوني إنّ المعضلة الأبرز التي تواجه «التيار» في هذا الاستحقاق، هي تراجع حركة التطوّع في صفوفه من جانب غير ملتزمين حزبياً، وهؤلاء كانوا يتسابقون قوافل.. قوافل قاصدين المقرّ العام في ميرنا الشالوحي عارضين المساعدة. إذ بلغ حجم هذه الكتلة في العام 2009 نحو 18 ألف متطوّع وضعوا أنفسهم في تصرّف «التيار» الذي لم يكن بعد قد عبر الى ضفّة الحزب.
وفي المعلومات أيضاً، يتبيّن أنّ أكثر من 9000 شخص شاركوا في المناورة الانتخابية التي أجريت قبل أسبوعين من استحقاق العام 2009 توزعوا بين «ناخبين» و«منخّبين» و«مندوبين» و«موظفي» أقلام اقتراع.
وأما راهناً فيُلاحظ تراجع عدد المتحمّسين للعمل التطوّعي حيث تحاول القيادة تغطية هذا النقص من خلال مخصصات سيتمّ دفعها للمشاركين في الماكينة الانتخابية. وقد ألمح رئيس «التيار» جبران باسيل الى هذا الأمر خلال الاجتماع الأخير الذي عقده أمام مرشحي الحزب وضمّ حزبيين وأصدقاء، الى أنّ الحزب يعاني من نقص سيولة كونه يرفض التمويل الخارجي ولذا ذكّر من تخلّف عن دفع مستحقاته للماكينة الانتخابية بضرورة تسديد ما عليه، كي تتمكّن من القيام بعملها.
أما الإخفاق الثاني الذي يخشى بعض العونيين من وقوع قيادته في مطبّه، فيتمثل بالتقديرات المبالغ فيها في تحديد نتائج «التيار» يوم السادس من أيار، ما قد يصيب المشاركين في عمل الماكينة بصدمة سلبية تؤدّي الى تعليق نشاطها يوم الاستحقاق.
يقول أحد الحزبيّين ممَّن يتمتعون بخبرةٍ انتخابية إنّ الإفراط بالتفاؤل أمام الرأي العام شيء، وأمام العاملين في الماكينة الانتخابية شيء آخر. إذ لا يمكن تكبير حجم «التيار» بشكلٍ منافٍ للواقع، كما يحصل مثلاً حين تعِد الماكينة نفسَها بحجزِ خمسة مقاعد في دائرة كسروان- جبيل بينما إحصاءات الغير تعطي «التيار» أربعة مقاعد فقط، ذلك لأنّ المبالغة قد تدفع الى إحباط الناس يوم الاستحقاق لا سيما ممَّن يطّلعون على الأرقام، أو حتى انهيار الماكينة إذا لم تأتِ النتائج على مستوى التوقعات. وقد شهدت الدورة الأخيرة من الانتخابات مشهداً مماثلاً.
أما مكمن الخلل الثالث وهو الأخطر، فيتجلّى في الفوضى التنظيمية التي يسبّبها التنافس على الصوت التفضيلي. إذ ثمّة مرشحون يتحكّمون بماكينة دائرتهم الأمر الذي يحرم بقية المرشحين الحزبيين من ترف الأصوات التفضيلية ويسبّب الإشكالات. ونموذج النائب ابراهيم كنعان والوزير السابق الياس بو صعب الذي انضمّ أخيراً الى نادي «المسيطرين» على الماكينة، أفضل تعبير... ما قد يعرّض المرشح الثالث ادي معلوف للخطر كونه الحلقة الأضعف بين «رفيقيه»، لمصلحة النائب السابق غسان الأشقر.
وفي بعبدا مثلاً، الأرقام تعطي «التيار» حاصلين اثنين، لكنه لم يُخرج نفسه من مستنقع الخلافات بين ثلاثة مرشحين: النائب الان عون يضمن «تحليقه» بنسبة الأصوات التفضيلية، فيما التنافس بين النائبين حكمت ديب وناجي غاريوس يتخطّى الحدود. لكنّ السؤال: كيف ستوزّع الماكينة أصواتها بين الثلاثة؟ على أيّ أساس أو معيار؟
أما في جبيل، فالخلافات الداخلية المتراكمة تدفع ببعض العونيين الملتزمين الى العمل لمصلحة النائب وليد خوري على حساب النائب الحزبي سيمون أبي رميا.
من المرجّح أنّ قيادة «التيار» تعي كل هذه المعوقات وتعمل على معالجتها. ولعلّ أبرز ما حاولت تجربته في المناورة الانتخابية هو التقنية الجديدة التي ستدخلها الى مراكز الاقتراع، بواسطة مندوبين مزوّدين بلوحات إلكترونية (أيباد)، بمعدل مندوب في كل غرفة، سيتولّون رصدَ المقترعين الذين سبق وأُدخلت أسماؤهم الى البرنامج الى جانب انتمائهم الانتخابي، فيُصار في لحظتها الى رصد نتيجة فورية لكل قلم مع اقتراع كل ناخب.
كما تعمل على حلّ إشكالية خلل التوازن بين قدرات المرشحين الحزبيين الاستقطابية للأصوات التفضيلية. إذ يقول أحد المطّلعين إنّ الخطة التي بدأ العمل بها تقوم على أساس دراسة الوحدات الصغيرة في القرى والبلدات من خلال معرفة مَن هو المرشح الأقوى فيها والمرشح الأضعف، ليُصار بعد ذلك الى إقناع مَن هم خارج سيطرة «الأقوياء» لتحويل بعض الأصوات التفضيلية لمصلحة المرشحين الضعيفين.
ومع ذلك، «الممانعة» في كثير من المطارح قد تحول دون هذا الأمر. بحيث لا يتردّد بعض العونيين المتنيين مثلاً في المجاهرة علناً بأنهم سيصوّتون للنائب غسان مخيبر حتى لو كان من غير حملة البطاقات البرتقالية، لأنه بالنسبة لهؤلاء يشكل حالةً منسجمةً معهم وأكثرَ قرباً اليهم من غيره.