تمرّ منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام بمخاض صعب جدا بفعل التوتر الحاصل بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران .
وقد إنعكس هذا التوتر تصعيدا في مناطق مختلفة ، حيث باتت الجبهات من اليمن إلى ( سوريا ) مشتعلة ومفتوحة على إحتمالات كبيرة .
لكن هذا التوتر له بعد دولي أيضا متعلّق بالصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية ، في أوكرانيا وأوروبا الشرقية بشكل عام وقضية تسميم الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال في بريطانيا .
وتُقدّم كل دولة من الدول المتنازعة ، إقليميا ودوليا ، ذريعة محاربة الإرهاب للتدخل في شؤون المنطقة وحياكة تحالفات داخلية لم تؤدِ حتى الآن إلاّ إلى تصعيد كبير وتوتر مستمر خصوصا منذ ٢٠١١ ، من المغرب العربي وليبيا ومصر ، إلى اليمن والبحرين والعراق و (سوريا ) حتى لبنان.
وفي هذا الجو المتوتر ، برز في خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمسخلال اللقاء السنوي للإغتراب اللبناني في ألمانيا وأبيدجان ، إقتراح لقيام إستراتيجية مشتركة بين السعودية وإيران لمواجهة الإرهاب الذي يهدّد المنطقة .
إقرأ أيضا : جبران باسيل يتحدّى نبيه بري في الجنوب
وتحمل دعوة بري هذه نوايا تقريبية في طياتها وهو المعروف عنه دائما إتجاهه لحلّ الأمور الخلافية في المنطقة بالحوار لا بالقتال ، فقد سبق أن إبتدع نظرية " السين - السين " أي السعودية وسوريا في ٢٠٠٨- ٢٠٠٩ على إثر الخلاف الذي نتج عن ملف إغتيال الرئيس رفيق الحريري وتشكيل المحكمة الدولية ، وأنتجت هذه النظرية فيما بعد وبدعم إقليمي وغطاء دولي ، زيارة للرئيس سعد الحريري إلى دمشق .
والإستراتيجية الموحّدة أو التنسيق بين السعودية وإيران كما طرحها بري يُقدّمها لأن قتال الإرهاب بالمفرّق لا يُؤتي أكله ولا بد من توحيد الجهود وتجفيف منابع تمويل الإرهاب ومصادره .
وبدعوته هذه ، يُقدّم بري دليلا أن الإرهاب هو عدو مشترك لجميع دول المنطقة ، ولن يُوّفر أي طرف من نيرانه ، والسبيل لخلاص المنطقة هو ترك الخلافات الهامشية والتركيز على الخطر الأكبر .
وإن كان من المبكر الحديث عن ترجمة أو نجاح فعلي لدعوة بري ، إلاّ أنّها لا شك تُشكل مدخلا أساسيا للحلّ الشامل في المنطقة ، وخصوصا حلّ " لعنة فلسطين " كما سمّاها بري عبر الحلّ العادل والشامل لهذه القضية.
إقرأ أيضا : بري للمغتربين: لا تخافوا من الانتخابات بل خافوا عليها وصوتوا بلا تردد
وهي تترافق مع معلومات عن محادثات حصلت ووساطات قامت بها باكستان لإيجاد تسوية تُرضي كل من السعودية وإيران ، ولو أنّ هذه الوساطة قد فشلت ، لكنها تُعطي إنطباعا كافيا أن مبدأ الوساطة والتسوية أمرا مقبولا لدى الطرفين في حال توفّرت الظروف الملائمة.
وبري المدرك للتغيرات الإقليمية ، لم يُقدّم هذه الدعوة من فراغ ، بل من معطيات وربما من مخاوف لديه لذهاب الأمور نحو الأسوأ وبالتالي تجنبّها عبر البدء بحوار جدّي وفعلي وتحديد العدو المشترك.
وأهميتها ، أنها تصدر عن شخصية شيعية في المنطقة ، في ظل النزاع القائم ذات البعد المذهبي في بعض جوانبه.