خطاب الأمس بدا فقيراً لا يلامس غنى الموضوع ولا ضرورة المرحلة وفضح ما في الخطابات من تناقضات تعكس صورة المواقف المنحازة في البيئات الشيعية لحصرية التمثيل وفي البيئات الأخرى الى ضرورة التنوع كما هو حال بيروت كي تعطي الصورة الأمثل عن تاريخها وعن تجربة لبنان في تعايش طواقم طوائفه رغم ما شوه التعايش من فتن و حروب وحصارات وقفت خلف كل باب من زمن الحرب الى زمن القمصان السود.
لم تكن العربية موفقة في قراءة العروبة لا في الأمثلة الطريفة ولا في المداولة التي فضحت عدم المعرفة لتسطيح الطرح العروبي على حساب طروحات تأخذ من العروبة ما يناسبها فقط وما يغذي شراهة البعض في شعارات لم تعد تغري الكثيرين بعد أن تبيّن الغث من السمين في امتحانات الربيع العربي الذي فرز الثوريين وفضح مواقفهم عندما انحازوا لصالح النظام الاستبدادي وساهموا في تدمير الشعوب العربية تحت سيل من الشعارات التي لا مكان لها سوى حاويات الموت الذي انتشر بكثافة ملحوظة لم يشهدها تاريخ الصراع مع العدو الاسرائيلي.
إقرأ أيضًا: اللوائح الشيعية للحجّ والزيارة
لم يفهم اللبنانيون كيف يمكن الدعوة الى تنوع هنا والى عدم التنوع هناك؟ سؤال قلق يقف على جدران بيروت يمرّ من هناك فقط ولا يسمح له المرور أو العبور الى جدران أخرى لماذا لا يعلّق على حائط من حوائط بعلبك التي تشبه بيروت في التعدد والتنوع؟ لماذا يصبح المتخلف عن صوته في قجة المقاومة داعشياً؟ في حين أنه يصبح وطنياً في بيروت اذا لم يتقيّد بلائحة واحدة باعتبار أن تعدد اللوائح فيها شفاء للبنان وصورة مشرقة تبعث على طمأنة العرب و الغرب على النموذج الحضاري الذي يحرص عليه اللبنانيون لإنجاح تجربة التعايش في محيط تنشط فيه دعوات التقسيم.
يبدو أن الاستهلاك السياسي يستنزف كل شيء وبأي طريقة طالما أن الرقابة معطلة ولا إمكانية للمحاسبة ولا أحد بقادر على المقارعة والخطيب يخطب والجماهير الطائفية تسمع بغريزتها لا بعقلها لهذا يصبح أي قول ومهما بدا ضعيفاً قوياً ونافذاً في حضرة الجمهور الذي يستقبل من زعيمه كل شيء ولا امكانية للبحث والتمعن والتفكر فيما يقول وهذا ما جعل من خطب الزعماء المسلمين في لبنان والعالمين العربي والاسلامي قرائين جديدة بل أهم من القرآن الكريم لأن كتاب الله دعوة للتفكّر في حين أن خطب الخطباء دعوة للتقيّد باعتبارها مقدّسة ولا أمكانيّة لردّها أو لمناقشتها في حين أن النصوص المقدسه نفسها عرضة للنقاش وتفتح العقل على التدبربها وهي تحث على ذلك في حين أن خطب الوعاظ الدينيين والسياسيين لا يمكن إمعان العقل فيها لأنها فوق العقل الجماهيري الذي يرضخ طوعاً لإرادة القائد أو المسؤول في الحزب أو في السلطة.
إقرأ أيضًا: عادل كرم والعضو الذكري!
من الواضح أن العملية الانتخابية إعادة إنتاج لأزمة القوى السياسية في تعاملها التحايلي مع بعضها البعض كونها تبحث عن نقاط قوة لإضعاف بعضها وهذا ما يتم برسم سياسة فارسية وأخرى عربية بمعنى أن هناك تعامل ما مع الصراع القائم ما بين إيران والسعودية من شأنه أن يضع لبنان في سلّة من السلتين ولكن طبيعة لبنان الطائفية مستعصية على وضع اللبنانيين في سلّة واحدة لذا يجتهد مجتهدو السياسة المتبعوة اقليمياً في تعليب السياسة المحلية من خلال مسك السلطة بأكثرية نيابية تتحكّم في كثير من الاستحقاقات الدستورية وفي الاستراتيجية السياسية كي يفرض على لبنان التزام سياسة معينة لعدم إمكانية الاستمرار بسياسة النأي المجروحة والمطعون فيها من قبل أصحابها دون الآخرين خاصة وأن المرحلة القادمة لا مجال فيها للتخفي خلف عناوين لا تستر عورة الخلافات اللبنانية من المواضيع والملفات الاقليمية.