لا تأجيل للضربة الاميركية ضد النظام السوري، انما تريث تكتيكي فرضته التطورات الجديدة في الادارة الاميركية والمشاروات التي تجريها واشنطن مع حلفائها الأوروبيين والعرب. ففي الداخل الاميركي، يواصل الرئيس الاميركي دونالد ترامب مشاوراته مع المعارضة في الكونغرس بشأن الضربة، وينتظر ان يستلم وزير خارجيته الجديد مايك بومبيو ومستشاره للامن القومي الجديد ايضا جون بولتون منصبيهما، ويعدا العدة المطلوبة لهذه الضربة التي يؤيدانها قلباً وروحاً قبل تعيينهما. ووضعت سيناريوات عدة للضربة الاميركية من قبل وزارة الدفاع المعنية ميدانياً بها، من بينها سيناريو موسع قد يعيد انخراط واشنطن بشكل كبير في الوضع السوري. المؤكد ان الضربة لن تطال الوجود الروسي لان خط الهاتف الاحمر بين الطرفين نجح حتى الساعة في منع اي اصطدام يرفضه الطرفان منذ زمن بعيد، لكن هذا لا يعني ان حلفاء الطرفين لن يصطدما. وامام هذا الواقع يبدو ان لبنان غير موجود على خارطة الضربة الاميركية المحتملة إلا اذا قرر “حزب الله” اقحامه فيها عبر استهداف الطائرات المقاتلة أو ضرب مصالح غربية في لبنان أو اطلاق صواريخ على إسرائيل لإدخالها في النزاع.
القرار لم يتخذ
امام هذا الواقع، يؤكد المستشار السابق للرئيس ترامب خلال الانتخابات الاميركية وليد فارس لـ”النهار” ان “اهداف الضربة الاميركية المحتملة ضد النظام السوري بدأت تتغير اليوم، اولا ضمن الادارة خصوصا بعد تثبيت وزير الخارجية الجديد بومبايو المعروف بمواجهته للنفوذ الايراني بشكل استراتيجي والذي يحتاج إلى بعض الوقت كي يجهز فريق عمله في الخارجية. والى ذلك يحتاج أيضاً مستشار الامن القومي الجديد السفير جون بولتون المعروف ايضا بتشدده ونظرته الاستراتيجية الداعية إلى مواجهة النفوذ الايراني و”حزب الله”وضرب النظام السوري. وهو مع اعلام القيادة الروسية ان واشنطن باقية في سوريا وباقية في المنطقة للحفاظ على مصالحها القومية ومواجهة الارهابيين الذين يشكلون خطراً عليها وعلى حلفائها”.
هذه السيناريوات والاهداف
وعن السيناريوات المطروحة، قال فارس انه “بانتظار ان يجهز الرجلان فريق عملهما يعمل الرئيس الاميركي والادارة مع وزارة الدفاع الفاعلة اكثر على هذا الصعيد مع وكالة الاستخبارات المركزية CIA والتي جهزت سيناريوات الضربة التي يحتاج إليها الرئيس ترامب كي يأخذ قراره، وأحد هذه السيناريوات والأكثر تداولاً في الادارة ويمكن تسميته بالاقل حسماً، وهو سيناريو الضربة الواحدة المكثفة على اهداف شبيهة لضربة قاعدة الشعيرات في العام الماضي. وقد تتوسع لتشمل القطاعات الاخرى التي تستخدم في الضربات الكيماوية للنظام. أما السناريو الثاني فهو المحدود والموسع في الوقت نفسه ولا يشمل فقط القطاعات المسؤولة عن السلاح الكيماوي بل ايضا السلاح الكامل للنظام؛ كسلاح الجو. اما السيناريو الاكبر المطروح فيقوم على اعادة انخراط واشنطن في سوريا بشكل اكبر وتسديد ضربة اكبر ضد التحالف الايراني الأسدي وحزب الله، مع تحذير الروس حول هذا الموضوع. لكن القابلية لهذه المشاريع ليست مطروحة حالياً، خصوصا ان ترامب لم يتفق مع المعارضة في الكونغرس عليها، والمستشارون المعنيون بهذا الملف غير جاهزين بعد”.
وحدد فارس الجهات التي قد تُستهدف في الضربة. وأوضح ان “المستهدف بأي عملية هو النظام ولكن بطريقة تدريجية، فالضربة قد تطال قطاعات معينة في الجيش السوري او مواجهة النظام لإضعافه بشكل عام، واليوم فإن الوضع مختلف عن ايام الرئيس اوباما. فالقوات والميليشيات الإيرانية و”حزب الله” متداخلة مع الجيش السوري على الأرض، ولذلك أي قرار قد يتخذ سيشمل أيضاً الحلفاء الاقليميين للنظام السوري وليس روسيا”.
قرار شمل لبنان بيد “حزب الله”
وعن احتمال شمل لبنان بالضربة، أكد فارس أن هذا القرار بيد “حزب الله”. واضاف: “لبنان غير موجود على خريطة الاصطدام بين اميركا والنظام السوري او اي طرف آخر في سوريا. هذا على الاقل من قبل الجانب الأميركي، إلا اذا قرر “حزب الله” أن يجر هذا البلد إلى الضربة الاميركية وما قد ينتج عنها من خلال استهداف المقاتلات الاميركية التي ستسلك الاجواء الجوية اللبنانية، او استهداف مصالح غربية في لبنان او من خلال اطلاق صواريخ على اسرائيل لإقحامها أيضاً في النزاع وتوسيعه أكثر، ولكن قرار اقحام لبنان ليس بيد واشنطن التي ترفض ذلك، إنما بيد “حزب الله” بالتنسيق مع ايران والنظام السوري من اجل الضغط على الغرب”.
واشنطن طوقت في سوريا؟
واستبعد فارس اي اشتباك روسي – اميركي في سوريا. وقال ان :”اميركا لا تخشى روسيا، ولكن في قمة الصراع ايام الحرب الباردة لم يصطدم الطرفان بشكل مباشر وذلك لانهما قوتان عظميان ونوويتان، وأي اشتباك محلي كما حصل ابان ازمة الصواريخ الكوبية او ازمة برلين وغيرها، حرص الطرفان على عدم الاشتباك المباشر، لأنه سيؤدي إلى اشتباك نووي. وهذا أمر ممنوع. هذا في السابق فكيف بالحري اليوم، فأنا أعتقد أن الاتصال بين الجبارين موجود من خلال الخط الهاتفي الاحمر الذي يمنع اي اصطدام بين الطرفين في اي مكان من العالم، لكنه لا يمنع أي اشتباك بين القوات الحليفة لهما”.
وعن السبب المباشر للقيام بضربة عسكرية، اكد فارس ان اللقاء الثلاثي الايراني التركي والروسي ليس السبب المباشر انما استخدام السلاح الكيميائي من قبل النظام. واضاف :”الضربة الاميركية بالاتفاق مع حلفاء اوروبيين للمرة الاولى وعرب ليست ردا على اجتماع الرؤساء روحاني وبوتين واردوغان، لان النظام لو لم يستخدم الاسلحة الكيميائية ما كانت اميركا لتهدد بضرب هذه الاسلحة”.
واوضح :”لا شك ان التنسيق التركي الايراني الروسية وضع ضغطا على الوجود الاميركي في سوريا الذي اصبح مطوقاً إلى حد ما وتزامن ذلك مع المصاعب الداخلية التي تواجهها ادارة ترامب، لكن استخدام النظام للسلاح الكيميائي اخرج واشنطن من هذا الطوق، ودفعها إلى التأكيد على امرين أولا انها غير مستعجلة للخروج من سوريا ما اعتبر ردا على التنسيق الثلاثي، وثانيا التواصل مع الكونغرس داخليا وفرنسا وبريطانيا وقادة عرب لتأليف جبهة عريضة لمواجهة التحديات في سوريا”.
ووفق ما تقدم فإن الوضع في سوريا بعد اليوم لن يكون كما كان قبل اعلان الرئيس ترامب عن توجيه ضربة للنظام بسبب استخدامه السلاح الكيميائي.