أن بعض اللبنانيين يفتشون عن كيفية إقحام البلد في حرب لن تقع على الارجح، وقد باتوا يرسمون سيناريوات لتداعيات الضربة المتوقعة على سوريا وأشكال المواجهة، ويبشّرون بتأجيل الاستحقاق الانتخابي في 6 أيار المقبل. لعلهم يدركون حقيقة الامر، لكن المزايدة السياسية، ومنطق التحدي الذي تزداد وتيرته قبل الانتخابات، يحتّمان هذا الامر لشد العصب واظهار الخطر المحدق من أفرقاء الداخل قبل الخارج وكسب المزيد من الاصوات التفضيلية. وقد شاهدنا فصولاً من هذا الاحتدام في برنامج “تحصيل حاصل” مساء الخميس عندما اعتبرت المداخلات ان المعركة الانتخابية في بعلبك – الهرمل، مصيرية وتتحدى المقاومة في عقر دارها، وهي في الحقيقة ليست سوى حلقة مملّة من مسلسل الانتخابات الذي لن يبدل في الواقع القائم تبديلا. واذا كان “خرق” الثنائي الشيعي، وتحديداً “حزب الله”، وارداً وممكناً في بعلبك، فان آخرين، وابرزهم “تيار المستقبل”، يقلع بخسارة 6 الى 7 أعضاء من كتلته، ومنهم في العاصمة المحمية بـ”الخرزة الزرقا”. وتبقى تلك الحسابات رهن اللحظة الانتخابية لتسلك الامور مسارها الطبيعي منذ 7 أيار كما صرح الوزير السابق جان عبيد الاسبوع الماضي.
ما يهم اللبنانيين فعلاً في هذه المرحلة، النأي بالبلد عن صراعات المنطقة، والعمل على التزام حياد ايجابي صعب التحقق تماما، لكنه يبقى ضرورة، خصوصا في صراعات الكبار. والحياد يشمل التصريحات وليس فقط الحراك العسكري.
صحيح ان للبنان حق الاعتراض على استخدام اجوائه لضرب اراضٍ ومواقع على الارض السورية، وله حق الرفض والشكوى الى مجلس الامن الدولي منعاً لانتهاك اسرائيل كل سماء وأرض وبحر لبناني، ولتأكيد منطق السيادة الذي تتنافس القوى المختلفة على احتكاره، لكن الأكيد ايضا ان لبنان لا يمكنه التأثير، لا ايجاباً ولا سلباً، في اي قرار اميركي لاستهداف مواقع عسكرية في سوريا. الاعتراض اللبناني لا يعدو كونه موقفا سياسيا غير مؤثر في المعادلات. فالبيت الابيض الذي يتحدى روسيا وارثة الاتحاد السوفياتي، ومعها ايران وسوريا، لا يكترث لموقف لبنان المتخبط في تناقضاته، والمبتلي بانقساماته، والعاجز عن ضبط حدوده، وايضا الغارق في ديونه، واللاهث وراء مساعدات دولية وقروض وهبات، والمتخوف من عقوبات يحركها ضوء اخضر اميركي.
واذا كان على لبنان واجب الاعتراض على حروب تؤثر فيه وعلى مساراته لانها يمكن ان تطاول حدوده ومصالحه، وتزيد اعباء النزوح عليه، فان التزامه الحياد العملي لا يعني اطلاقا موافقته على الحرب او دعمه لها. فالحياد شيء، والدعم لا يشبهه. اما اذا أُريد للبنان ان يتخذ موقفا جديا، فيجب الزام القول بالفعل، وبالتالي التحول شريكا لنظام الاسد في مواجهة الضربة. وبغض النظر عن الموقف السياسي، فان ذلك يعني حتما اقحام البلد مجددا في حروب الآخرين التي دفع ثمنها غاليا، وتحمّل تداعياتها المستقبلية على السياسة والاقتصاد.
ربما يدرك هذا البعض ان لا حرب مقبلة على الارجح، لان احداً غير مستعد لدفع اثمانها، فكل الدول المعنية بها مشغولة بأزماتها وحساباتها المعقدة، لذا يصبح الكلام مجرد تسجيل مواقف.