... وإن كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفّف من لهجته التصعيدية ضد النظام السوري المتهم باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية وآثر التريث في توجيه ضربة عسكرية موجعة لهذا النظام بعد أن كان حدّد ساعة الصفر لها خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، فذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، وفق ما تناقلته مصادر المعلومات الأميركية والأوروبية، انه تراجع عن توجيه الضربة التأديبية للنظام السوري، بقدر حرصه على استكمال الاتصالات مع دول حلف الناتو التي أعلنت استعدادها للمشاركة في هذه الضربة باستثناء المانيا التي أعلنت بلسان المستشارة انغيلا ميركل انها لن تشارك في أي ضربات في سوريا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لاستكمال المشاورات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي بدأت على الخط الساخن الذي فتح بينهما في أعقاب التهديدات المتبادلة التي صدرت عن رئيسي الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية في الساعات التي أعقبت الانذار الذي وجهه الرئيس الأميركي إلى موسكو ودعاها إلى ان تستعد للصواريخ الأميركية الجديدة والذكية التي سيوجهها إلى رأس النظام السوري الذي ما زالت موسكو متمسكة بدعم ابقائه على رأس السلطة في سوريا بالرغم من كل المجازر التي ارتكبها ضد الشعب السوري خلال السنوات السبع الماضية، والتي كان آخرها استعماله السلاح الكيميائي ضد أهالي الغوطة الشرقية.
مما لا شك فيه ان تعقيب الرئيس الأميركي على ما صدر عنه من تهديدات جدية برّد الأجواء المحمومة نسبياً وعزز الاعتقاد بأنه آثر سلوك نهج التريث والتهدئة، لكنه في تغريدته الثانية، لم يشر بأي حال من الأحوال الى انه ألغى أو تراجع عن توجيه الضربة العسكرية إلى النظام السوري، بقدر ما أراد ان ينسجم مع نصائح وزير دفاعه ومستشاري البيت الأبيض لجهة انه من الخطأ الكبير ان يعلن عن ساعة الصفر للعملية العسكرية قبل استكمال عناصرها لأن من شأن ذلك ان يعطي للخصم المعني الوقت اللازم للرد على الضربة أو لترتيب أوضاعه الداخلية بشكل يؤدي إلى التقليل من الخسائر في صفوفه أو بشكل يسمح له باستكمال كل الاستعدادات اللازمة للرد على الضربة العسكرية بالطرق المناسبة.
وبانتظار ما ستكشف عنه الساعات أو الايام القليلة المقبلة ان بشأن الاتصالات على الخط الساخن بين واشنطن وموسكو أو بشأن الضربة العسكرية لدول الناتو، تسود الساحة الداخلية حال من الترقب وحبس الأنفاس حيث الخشية كبيرة من ان تصيب لبنان شظايا أي مواجهة محتملة في سوريا التي لا تبعد أكثر من مرمى حجر عنه، وإذا كان بعض الداخل يرى ان نجاح لبنان في حماية نفسه والحفاظ على استقراره طوال السنوات الماضية بفعل قرار محلي - اقليمي - دولي يُشكّل عاملاً مطمئناً يُمكن البناء عليه لتطويق المخاوف المتنامية، فإن الحملة التي يقودها حزب الله وحلفاؤه ضد سياسة النأي بالنفس التي تحدث الرئيس الحريري عنها في معرض رده على سؤال عن موقف الحكومة اللبنانية من الضربة العسكرية للنظام السوري، وكان أبرزها الكلام الذي صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي بهذا الخصوص، من شأنه ان يزيد القلق والمخاوف عند اللبنانيين من ان تصيب لبنان شظايا الضربة العسكرية الأميركية للنظام السوري وأكثر من ذلك ان يتحوّل لبنان إلى ساحة حرب حقيقية إذا ما طلبت إيران - التي تُهدّد وتتوعّد - من حزب الله تحريك جبهة الجنوب وتسخينها عبر حرب ضد إسرائيل لتحقيق توازن الرعب.