تدفع حمى التنافس الانتخابي، شخصيات قيادية في حزب الدعوة الحاكم، إلى التورط في تصريحات أثارت سخرية وجدلا واسعين في الأوساط السياسية، في وقت يحتدم الجدل بشأن “ولاية العبادي الثانية”، والأسماء المرشحة لمنافسة رئيس الوزراء الحالي على المنصب في الدورة المرتقبة بعد 12 مايو.
ومن بين الأدوات التي يلجأ إليها حزب الدعوة لاستمالة الناخبين قبيل العمليات الانتخابية، الإكثار من الأحاديث الدينية على لسان أبرز قياداته. ولم يختلف سلوك الحزب في هذه الانتخابات، إذ دشنت “أيقونته المتشددة”، المتمثلة بعامر الكفيشي، وعضو أعلى هيئة قيادة في الحزب، حملة منظمة ضد الحراك المدني في العراق، متهما رموزه بنشر الانحلال في المجتمع العراقي.
واعتبر نشطاء أن أحاديث الكفيشي تتضمن تحريضا مباشرا ضد المدنيين، ودعوة مبطنة إلى قتلهم.
وبالرغم من أن خطب الكفيشي التي تبث ظهيرة أيام الجمعة، من على قناة “آفاق”، المملوكة لزعيم حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أثارت جدلا واسعا، إلا أن السلطات المعنية تجاهلت مطالب نشطاء بمحاسبة القيادي في حزب الدعوة والمحطة التي تبث أحاديثه التحريضية.
وما زالت محطة المالكي تبث بانتظام خطب الكفيشي، التي تتصاعد وتيرة التحريض فيها مع الاقتراب من الانتخابات.
ويقول مراقبون إن “حزب الدعوة يحرص على إظهار جانبه المتشدد قبيل الانتخابات، لاجتذاب أصوات المتطرفين الشيعة، الذين يفضلون نموذجا دينيا متشددا”.
ويمكن أن يعاني حزب الدعوة بشدة، خلال الانتخابات المقبلة، بعد انشطار قيادته إلى جزأين، الأول يؤيد المالكي، والثاني يدعم العبادي لولاية ثانية.
وبالنسبة لمراقبين، فإن “الخط المتشدد في حزب الدعوة، اختار دعم المالكي”.
ومن بين الإثارات التي ارتبطت بالحزب، تصريح العضو القيادي فيه، جاسم محمد جعفر، بأنه لن يوافق على تعيين عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين بصفة “كناس في أمانة بغداد، لأنه لا يصلي”.
وأثار هذا التصريح جدلا واسعا، فيما وصفه متابعون بأنه “نموذج للشيزوفرينيا السياسية، التي تحكم أداء الدعاة”.
وعلق مدونون على تصريحات جعفر التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي في العراق، بأنها دليل على تراجع فكرة بناء الدولة إلى آخر سلم أولويات هذا الحزب، لحساب نشر التجهيل، فيما كتب آخرون أن “الأولوية لدى الدعوة ليست الكفاءة والخبرات، وإنما الصلاة، بغض النظر عما إذا كان هذا المصلي يفهم شيئا في إدارة الدولة”.
ويقول سياسيون عراقيون إن منطق “الثقة” تغلب على منطق “الكفاءة” في عملية تشكيل الفريق الذي أحاط برئيس الوزراء السابق نوري المالكي خلال ولايته الثانية التي انتهت بكارثة، تمثلت في احتلال تنظيم داعش لنحو ثلث أراضي العراق، وتفشي الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها.
ومع هذا، ما زالت قيادات في الدعوة تعتقد أن منصب رئيس الوزراء يجب أن يظل حكرا على الحزب، بل يذهب آخرون إلى أن الساحة السياسية عاجزة عن تقديم منافسين لقيادات الحزب، التي ستواصل الهيمنة على منصب رئيس الوزراء.
ويعتقد مراقبون أن هذه النزعة التي تهيمن على خطاب عدد كبير من قادة الدعوة، ستضر بفرص الحزب كثيرا، في الحفاظ على منصب رئيس الوزراء.
ويقول المراقبون إن “العبادي ربما مطالب بالخروج من الدعوة، أو الوقوف على مسافة واضحة منه، إذا ما أراد الفوز بولاية ثانية”.
لكن مصادر سياسية في بغداد تؤكد أن رئيس الوزراء العراقي ربما يكون انقطع فعلا عن حزب الدعوة، ولم تعد لديه صلات تنظيمية مؤثرة في داخله.
وتقول المصادر إن العبادي لا يريد خروجا مدويا من حزب الدعوة، ربما يؤلب عليه إيران، مشيرة إلى أن العبادي ومجموعة من الدعاة انفصلوا بشكل شبه كلي عن قيادة حزب الدعوة التقليدية، التي باتت تؤيد المالكي بشكل واضح.
وقلل مراقب عراقي من الحديث عن انشقاق العبادي عن حزب الدعوة، لافتا إلى أن ما أنجزه الرجل عبر حوالي أربع سنوات من حكمه يكفي لإثبات أن الخط الطائفي للحزب في صعود. كما أن شيئا ملموسا لم يحدث في مجال مكافحة ظاهرة الفساد التي يديرها ويشرف عليها ويستفيد من الجزء الأكبر منها أعضاء حزب الدعوة.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن كل القوانين التي سُنت في مرحلة العبادي قد عززت الامتيازات الاستثنائية التي يحظى بها منتسبو الحزب وأنصاره.
واعتبر أن ما يصرح به مرشحو حزب الدعوة علانية من أفكار متشددة إنما يعبر عن ثقتهم في أن هناك اتفاقا أميركيا ــ إيرانيا على ضرورة بقائهم في السلطة، بغض النظر عما يمكن أن تؤول إليه نتائج الانتخابات.