المرحلة الممتدة ما بعد العام الثاني من حياة الطفل، هي من أكثر المراحل أهمية في نموّه النفسيّ، وتؤثّر تأثيراً مباشراً على مستقبله. في هذا العمر «الحسّاس»، قد يشعر الوالدان بالتعب والقلق بسبب تساؤلات الطفل وطريقة إكتشافه العالم من حوله. أحياناً، يصبح قلقهُما مفرَطاً، ويبلغ توتّرُهما حدَّ عدم السيطرة على الذات والإكتئاب، ويعبّران عن أنّ «العام الثاني» من أصعب مراحل نموّ الطفل. لكن، هذه المرحلة الصعبة على بعض الأهالي يمكن أن تكون مسلّية بنظر غيرهم، خصوصاً بالنسبة لمَن يفهمان مبدأ «النموّ النفسي» لطفلهما. فما هي أهم خصائص النموّ عند الطفل في عامه الثاني؟ وكيف يمكن للأب والأم أن يتساعدا لتخطّي هذه المرحلة التي يجدها بعضهم صعبة؟
خلال عامه الأول، يكون الطفل متصلاً أو حتّى «ملتحماً» بوالدته التي تلبّي كلّ حاجياته. كما أنّ للأب دوراً بارزاً في حياة الطفل من خلال منحه الاهتمامَ والراحة والأمان. ولكن عندما يتخطّى الطفلُ عامه الأول ويدخل في الثاني، كلّ المقاييس تتغيّر إذ يميل إلى الاستقلالية، ويستطيع أن يقوم بالكثير من الأفعال دون مساعدة أحد.
وطبعاً، على الأهل وخصوصاً الأب تشجيع الطفل على ممارسة تلك «الاستقلالية» التي يتوق إليها والمتاحة له. فإذا كان أحدُ الوالدين لا يسمح للطفل باكتشاف استقلاليّته وتغذيتها، لن «ينمو» كسائر الأطفال.
«لا أريد»... أساسٌ لنموّه
من أول الكلمات التي يتعلمها الطفل ويستعملها، غير كلمة «ماما» و«بابا» هي كلمة «لا»... هذه الكلمة جوهرية لنموّ الطفل النفسي وإكتشافه حرّيته في الاختيار. وبينما تكون إمكاناته اللغوية محدودة، يستطيع أن يعبّر عن حاجياته من خلال إصدار أصواتٍ حتّى لو لم تكن كلماتُه كاملة. ومن الكلمات، ينتقل إلى الأفعال، حين يحاول أن يقوم بما يريده، وكأنه يقول «أريد أن أكتشفَ العالم لوحدي بدون مساعدة أحد»، فتكون أولى خطواته نحو «الإستقلالية».
نراه يحمل أشياء غير ألعابه... يلعب، يصرخ، وربما يكسر الأغراض التي تحيط به. ويجب على الوالدين وخصوصاً الأم أن يتفهّما تصرّفاته «العشوائية»، لأنّه لا ينظر إلى الحياة بمنظورهما بل يتصوّر أنّ كلّ شيء «مسموحٌ» له.
وفي هذه الحال، تفسيراتُ الأم والأب كفيلة لكي يفهم الطفل التصرّفات المسموحة له وتلك الممنوعة. وفي نهاية عامه الثاني وبداية الثالث، يستطيع الطفل التحكّم في نفسه حيث يصبح قادراً على الاختيار ما بين السلوك المناسب وغير المناسب.
ولا يمكن أن ننكرَ حاجة الطفل الملحّة لأداء كل التصرفات، لذا نراه كثير الحركة، يريد أن يُظهرَ نفسَه وأن «يصفّقَ» له الجميع حيث يلفت النظر من خلال أفعاله وحركات جسمه ووجهه وحتّى أطرافه، ويستعمل الكلمات التي تدلّ على الحاجة الملحّة إلى الاستقلالية.
الصراخ... تعبيرٌ أساسي ومهمّ عند الطفل
حتّى لو أصبح الطفل في عين أهله «كبيراً»، لا يجب أن ينسوا بأنه ما زال طفلاً، ويحتاج إلى البكاء ليعبّرَ عن سخطه وغضبه وحزنه وألمه. لذا خلال سنته الثانية، إنّ البكاء من أهم طرق تعبير الطفل، ليخفّف من القلق الذي يعيشه كلّ يوم في مواجهة العالم الذي يحيطه، إذ لا يجد متنفَّساً لهذا التوتر سوى بالصراخ. وتبدأ المشكلات مع الأهل الذين يعتبرون بأنّ طفلهم قد تخطّى العمرَ المقبول للصراخ والبكاء.
في هذا الإطار، يرى علم نفس النموّ أنّ البكاءَ حاجة أساسية للإنسان... ذكراً كان أم أنثى، مهما بلغ عمره أو كبر شأنه. لذا يجب أن يتقبّل الأهل تصرّفاتِ طفلهم لأنه ما زال صغيراً وهناك الكثير من المواقف التي لا يمكن أن يعبّرَ عنها سوى بهذه الطريقة.
ويستعمل الطفل الصراخ كوسيلة فعّالة: للحصول على مبتغاه أو لتخفيف توتّره وخوفه أو ربما للتعبير عن إنزعاجه وما يشعر به خصوصاً حين تكون لغتُه غيرَ كاملة. فقاموسُ الطفل اللغوي لا يكتمل قبل سنّ الثماني سنوات. ولكن عندما يُكمل الطفلُ عامَه الثاني ويتحضّر لبدء العام الجديد، يشعر بثقة بنفسه لا سيما عندما يستطيع التحكّمَ بإرادته.
السنة الثانية
من أجمل المراحل العمريّة وأدقها في حياة الطفل. في هذه المرحلة يجتاز فترةً مثيرة، تتميّز بالنقاط التالية:
• فضولٌ لامتناهٍ، يميل الطفل إلى اكتشاف الأشياء والأشخاص المحيطين به.
• النشاط الدائم دون انقطاع. فعلى صعيد علم النفس المرضي، يجب الانتباه لتصرّفات الطفل الهادئ جداً والذي لا ينفعل أمام أيِّ مثيراتٍ خارجية، لأنّ ذلك يعيق نموَّه النفسي. بينما الطفل ذات الحركة الدائمة، هو طفلٌ «طبيعي»، وهذه الحركة هي التي تدفعه للتعرّف الى العالم الخارجي. وطبعاً هنا لا يجب الخلط ما بين «فرط الحركة» و»التصرفات الطبيعية- الحيوية» عند الأطفال.
• الإستقلالية، ويعني ذلك، أنّ الطفل يقوم بأفعال لوحده كلبس الثياب، أو الإستحمام، أو لبس الحذاء وربطه، أو جلب الماء له أو حتّى مساعدة أهله، أو طلب الخروج من البيت لوحده... ودور الأهل في هذا الشأن هو التفسير له عن التصرفات التي يمكنه أن يقومَ بها وتشجيعه عليها، والتصرفات التي يجب أن يؤدّيها بمساعدة أحد والديه أو شخص راشد، مثل المعلمة في الصف.
• التعاطف الذي يظهر عند الطفل في هذه المرحلة، وهو محبّب كثيراً من الأهل، فيعبّر الطفل عن حبّه وحاجته للحنان والاهتمام. وخلال هذه المرحلة، يبدأ الطفل بمساعدة غيره ويحبّ أن يقدّم المساعدة.