انشغال الاطراف السياسية بالتحضير للانتخابات النيابية، مع عودة «التوتر العالي» الى العلاقة بين التيار الوطني الحر، وحركة امل، لم يحجب الاهتمام بتطورات الملف السوري وانعكاساته المحتملة على الساحة اللبنانية، لكن المفارقة ان «حبس الانفاس» في المنطقة والعالم، ازاء احتمال شن عدوان اميركي على سوريا، لم ينعكس بمخاطره على اداء بعض المسؤولين اللبنانيين الذين تعاملوا بخفة في الساعات الاولى لبدء الازمة التي تزامنت مع استباحة الطيران الاسرائيلي للاجواء اللبـنانية وقصف مطار «تيفور» العسكري قرب حمص، وفيما تعاملت دمشق وطهران «بواقعية» مع «البرودة» اللبنانية، كانت المفاجأة في الموقف الروسي الذي خرج للمرة الاولى عن «طوره» ازاء غياب موقف لبناني واضح من التطورات المتسارعة، فكانت «رسالة» روسية «قاسية» استدعت استدراكا لبنانيا متأخرا... فما الذي حصل خلال ساعات تبادل «الرسائل» الساخنة بين بيروت وموسكو؟
بحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، فان «صمت القبور» الرسمي الذي ساد في بيروت لساعات طويلة بعد استخدام سلاح الجو الاسرائيلي للاجواء اللبنانية لقصف مطار «تي فور» العسكري، تم «استيعابه» في طهران، ودمشق، الاولى تعرف جيدا حقيقة الانقسامات اللبنانية، وتعرف ان البعض في لبنان، ومنهم في مواقع رسمية «فرح في سره» لاستهداف القوات الايرانية المرابطة قرب حمص، وهو ليس مهتما بمسألة السيادة، بقدر اهتمامه «بالرسالة» «القاسية» التي تلقتها ايران على الاراضي السورية، وكانت السفارة في بئر حسن على اطلاع غير مباشر على الاتصالات العالية المستوى التي حصلت طوال ساعات الفجر الاولى عقب الغارة بين قيادات ايرانية رفيعة المستوى و«حارة حريك» لتقييم الموقف واتخاذ الاجراءات الاحترازية لمواجهة اي تصعيد محتمل من قبل اسرائيل، سواء في سوريا او على الساحة اللبنانية، وبطبيعة الحال لم تطلب الخارجية الايرانية من رئيس ديبلوماسيتها التحرك باتجاه المسؤولين الرسميين اللبنانيين، «لانه لا حاجة لتذكير السلطات اللبنانية بواجباتها تجاه سيادتها الوطنية»، مع وجود تفهم لدى القيادة الايرانيـة لضعف موقف لبنان الرسمي، وارتباط بعض مسؤوليه بأنظمة «معادية» للجمهورية الاسلامية تجعله مقيدا في اي تحرك جدي...
موقف دمشق «المتفهم»
اما دمشق، العارفة جيدا ببواطن الامور على الساحة اللبنانية، فتدرك خارجيتها دقة المرحلة على الساحة اللبنانية، ومنذ اللحظات الاولى لبدء التهديدات بشن عدوان على سوريا، اجرت سلسلة من الاتصالات الديبلوماسية وغير الديبلوماسية، عبر القنوات المعتادة، مع الحلفاء في بيروت، وتجنبت احراج اي مسؤول رسمي لبناني في هذا الملف، ولم تطلب اي موقف داعم من احد، هي لم تطلب اي استنكار للغارات الاسرائيلية، كما لم تسع للحصول على موقف لبناني علني ازاء التهديدات الاميركية والغربية بشن ضربات صاروخية على الاراضي السورية، مع العلم ان اغلب التقديرات العسكرية كانت تشير الى ان الاجواء اللبنانية ستكون ضمن نطاق عمل القوات الاميركية والغربية في عملياتها المفترضة، لكن دمشق اختارت بدورها «الصمت»، نسقت مع الاطراف الجديين المشاركين في «غرفة العمليات» المشتركة، وجرى التفاهم مع المقاومة على الخطوات اللاحقة دون اثارة اي «ضجيج» اعلامي وديبلوماسي غير مفيد...
«المفاجأة» روسية...
لكن المفاجأة، بحسب اوساط وزارية بارزة، جاءت من الجانب الروسي، الذي خرج للمرة الاولى عن «كياسته» الديبلوماسية، وهاله عدم صدور مواقف حاسمة وصارمة من الدولة اللبنانية ازاء احتمال استخدام مجالها الجوي لضربة تستهدف سوريا، وضمنا القوات الروسية الموجودة هناك... ووفقا للمعلومات، تبلغ السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين «برقية» ديبلوماسية عاجلة من الخارجية الروسية تضمنت توجيه «رسالة» شديدة اللهجة للمسؤولين اللبنانيين يطالبهم فيها بتحديد موقفهم من اي حرب قد تندلع في المنطقة، وفي «البرقية» اسئلة محددة، طلب من السفير الحصول على اجوبة حولها، منها الحصول على مواقف علنية واضحة وصريحة، حيال سياسة «النأي بالنفس» المعتمدة من الحكومة اللبنانية، وكيفية ترجمتها في حال استخدام الاجواء اللبنانية لضرب مواقع روسية في سوريا، وابلغ السفير الروسي مسؤولين لبنانيين بأن أي دولة تسمح باستخدام اجوائها للاعتداء على جنود روس، تعتبر شريكا في العملية العسكرية، وتصنف في خانة الاعداء، وهذا يحملها تبعات قانونية، وسياسية، وحتى عسكرية في حال تطورت الامور نحو الاسوأ...
شكوك روسية في الموقف اللبناني؟
وبحسب تلك الاوساط، استغربت موسكو «بطء» تحرك الدولة اللبنانية وعدم اعتبار نفسها معنية بما يدور حولها من احداث خطرة، قناة الاتصال اللبنانية الوحيدة الفاعلة مع الروس، كانت من خلال القنوات المعتادة في التواصل مع حزب الله على الساحة السورية، حيث ارتفع مستوى التنسيق خلال الساعات القليلة الماضية عبر الجانب الايراني لتنسيق الخطوات على الارض في سوريا. لكن ما كان مطلوبا من الجانب اللبناني الرسمي لم يحصل، فروسيا كانت تنتظر موقفا ديبلوماسيا واضحا من لبنان يتم من خلاله ابلاغ الجانب الاميركي برفض الدولة اللبنانية استخدام اجوائها، واراضيها، في اي اعتداء على سوريا... لكن جرى التلكؤ في الاستجابة لهذا الطلب، وفهمت موسكو مو مسؤول لبناني رفيع ان لبنان لا يريد التورط في اي حرب في المنطقة، والجانب الاميركي سبق وأبلغه ان الساحة اللبنانية محيدة عن اي تصعيد، لكن ليس بمقدور لبنان منع واشنطن ومن معها من حلفاء من القيام بما تريد القيام به، وهي ليست بانتظار «ضوء أخضر» منه لاستخدام اجوائه في العملية العسكرية، خصوصا ان الطيران الاسرائيلي يستبيح الاجواء اللبنانية دون اي رادع، «وبضوء اخضر» اميركي...
وكان هذا الجواب اكثر من كاف لتدرك القيادة الروسية ان ثمة في لبنان من ليس راغبا في احراج نفسه مع الاميركيين، وليس في صدد «احراج» الاميركيين امام المجتمع الدولي وفضح تجاوزهم للاعراف والمواثيق الدولية، بل اكثر من ذلك اتضح ان البعض يرغب في اضفاء شرعية على العملية العسكرية، رغبة منه في الاستفادة من نتائجها في وقت لاحق، عبر التمسك بـ«النأي بالنفس» وهي سياسة غير متناسبة مع الوقائع والمستجدات، لان هذه المعادلة ستسقط حكما عند موافقة لبنان «الضمنية» على استخدام مجاله الجوي في اي حرب مهما بلغت محدوديتها.
تصعيد في «اللهجة» الروسية
وازاء هذا «التمييع» في الموقف اللبناني، اختارت موسكو تصعيد «لهجتها» الديبلوماسية مع بيروت، وابلغ السفير الروسي عدداً من الشخصيات السياسية اللبنانية كلاما «قاس» مفاده، ان عدم قيام الدولة اللبنانية بمسؤولياتها الديبلوماسية ازاء استخدام اجوائها في اي اعتداء على المواقع الروسية، يحملها مسؤولية مباشرة عن التداعيات، لان ذلك سيجبر الطرف الاخر على الرد فوق الاجواء اللبنانية، وعندئذ ستتحمل الحكومة وحدها مسؤولية الاضرار الجانبية لاسقاط صواريخ او طائرات فوق الاراضي اللبنانية... هذا الكلام الروسي غير المسبوق في حدته استدعى مروحة اتصالات عاجلة بين القيادات اللبنانية التي بادرت الى اطلاق مواقف علنية واضحة برفض استخدام الاجواء اللبنانية للاعتداء على اي دولة في المنطقة، فكان موقف رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس نبيه بري الاكثر وضوحا في هذا السياق، وساندهما النائب وليد جنبلاط، فيما حافظ الرئيس سعد الحريري على «التباس» موقفه المتمسك» بالناي بالنفس»، ثم عدل قليلا خلال جلسة مجلس الوزراء، وبقي رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع على موقفه المتمسك «بالنأي بالنفس» ونقطة على السطر»...
واشنطن تنفي وجود قرار بالحرب
ووفقا للمعلومات، قابلت موسكو المواقف اللبنانية بشيء من «الارتياح» على الرغم من عدم تحولها الى موقف ديبلوماسي رسمي تجاه الاميركيين... لكن ما لا تعرفه موسكو ان الديبلوماسية اللبنانية تحركت باتجاه السفارة الاميركية في بيروت، وتم وضع الاميركيين في الاجواء «الساخنة» مع الروس، وطلب الجانب اللبناني توضيحات حيال النيات العسكرية الاميركية، وامكانية تحييد لبنان عن اي عملية عسكرية مفترضة، في ظل توافر بدائل متاحة سواء عبر الاجواء العراقية او التركية او الاردنية، لكن بعد ساعات جاء الجواب وفيه الكثير من «الغموض»، ومفاده «ان قيادة العمليات الوسطى في الجيش الاميركي لم تبلغ حتى الان بوجود عملية عسكرية في المنطقة»... انتهى الرد... ولم يحصل لبنان على اجابة واضحة عن تساؤلاته.
السعودية غير راضية ايضاً؟
في هذا الوقت يبدو ان الالتباس حول معادلة «النأي بالنفس» لم تستفز فقط موسكو، فالسعودية تبدو ايضا غير راضية عن التطبيق اللبناني لهذا الالتزام، وبحسب اوساط وزارية، سمع رئيس الحكومة سعد الحريري خلال لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في باريس، ملاحظات جوهرية حيال عدم التزام لبنان بما تعهد به بعد عودة رئيس الحكومة عن استقالته، وابلغه بن سلمان الحريري بأن المملكة لم تلحظ اي تغيير في سياسة حزب الله الذي يواصل تدخله في سوريا واليمن، كما انه لم يلتزم ايضا وقف حملاته الاعلامية، وقد سئل ولي العهد عن الاجراءات التي قامت بها الحكومة للحد من نفوذ الحزب في البلاد... ووفقا لتلك الاوساط، كان رد الحريري واقعيا، وهو شدد على ان التسوية القائمة راهنا، هي افضل الممكن لدى جميع الاطراف.
اتهامات بالسرقة بين خليل وباسيل...!
أراد فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان تُعقد جلسة مجلس الوزراء من اجل بحث ملف الكهرباء برئاسته لأنه مصمم على تأمين الكهرباء بسرعة الى اللبنانيين. وقبل انتهاء فصل الربيع والدخول الى فصل الصيف ومجيء المصطافين والمغتربين، وكان يريد ان يخاطب الشعب اللبناني ماذا عندهم من حلول للكهرباء. ولذلك ترأس الرئيس عون جلسة مجلس الوزراء المخصصة للكهرباء، وقد حصلت اثناء الجلسة مشادات عنيفة بين الوزراء، ولكن المشادة الأهم والعنيفة كانت بين وزير المالية علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل كون خطة الكهرباء طُرحت عندما كان الوزير جبران باسيل وزيراً للطاقة.
وفي الجلسة طُرح موضوع معمل دير عمار، ولم يوقّع الوزير علي حسن خليل على العقود المتعلقة بدير عمار مصراً ان القيمة الاجمالية للعقد من ضمنها القيمة المضافة الـ TVA فيما رفض الوزير باسيل ذلك مصراً على ان القيمة المضافة خارج العقد. وحصل سجال حاد وقال الوزير خليل للوزير جبران باسيل «انك سارق» ورد باسيل «انت عطلت الكهرباء عن الناس» وانفجرت الجلسة ورفع الرئيس عون جلسة مجلس الوزراء الى الاسبوع المقبل.
اما على صعيد قضية الكهرباء. فالحلول لا يمكن ان تنفّذ قبل سنة وسنة ونصف، حتى ذلك الوقت الناس يحتاجون الى الكهرباء واذا كان لدى البعض خطة مغايرة لموضوع البواخر فعليهم ان يطرحوها، لكن البواخر ستعطي لبنان عشرين ساعة كهرباء بدلاً من 12 ساعة.
الحل متروك للرئيس عون بالتنسيق مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.
ووفقا لمصادر وزارية، بدأت «السخونة» في الجلسة بعد بدء وزير الطاقة سيزار ابي خليل عرض خطة لانقاذ القطاع الكهربائي، وهي مؤلفة من 13 بندا، وبعد تقديم تصوره لمسألة استجرار الطاقة من البواخر، عارضا اما التمديد للموجودة او الاتفاق مع بواخر جديدة، فتح ملف معمل دير عمار، فطلب منه وزير الاشغال يوسف فنيانوس عدم العودة الى الماضي لكي لا يشكل الامر استفزازا لا داعي له، لكن ابي خليل اصر على فتح الملف وجدد التأكيد ان الضريبة على القيمة المضافة غير موجودة ضمن العقد، فرد وزير المال علي حسن خليل، مؤكدا ان المشكلة ليست مع وزارته بل مع ديوان المحاسبة الذي كان حاسما في هذا الموضوع، واشار الى ان وزارة المال قامت بواجباتها... عندئذ اقترح رئيس الحكومة تشكيل لجنة تضم الوزيرين للتفاوض بشأن ايجاد تسوية للملف، لكن الوزيرين رفضا الامر وتمسكا بموقفهما... هنا تدخل وزير الخارجية جبران باسيل مؤكدا ان العقد مع الشركة المشغلة جرى خلال وجوده في الوزارة، مؤكدا ان الضريبة على القيمة المضافة خارج العقد، لكن وزير المال اصر على ان المشكلة مع ديوان المحاسبة وان الضريبة ضمن العقد، عندئذ توجه باسيل الى خليل بالقول «نحن لا نسرق»، فرد وزير المال عليه قائلا» انكم محترفون بالسرقة»، فحصل هرج ومرج وعلا الصراخ واتهم وزير الخارجية الفريق السياسي لخليل بامتهان السرقة، عندها تدخل رئيس الجمهورية ورفع الجلسة...
وحسب مصادر وزارية اخرى فان السجال بدأ بعدما عرض وزير الطاقة سيزار ابي خليل لملف الكهرباء وتحدث عن سلة من الاجراءات الواجب اتخاذها لمعالجة الازمة.
وأوضح أبي خليل أن التقرير يتضمن اكثر من اجراء يشمل التمديد لشركات البواخر او استئجار بواخر جديدة.
ولدى التطرق الى مشروع دير عمار، حصل نقاش وسجال بين الوزيرين الخليل وباسيل.
وشدد باسيل على ان العقد واضح وضوح الشمس وهو تم في عهده في وزارة الطاقة وان موضوع الـTVA واضح وخارج العقد.
غير ان الوزير حسن خليل رد عليه قائلاً: «نحن قمنا بواجباتنا مشيراً الى انه يمكن ان يتم تحريف العقد بطريقة معينة وذّكر بأن ديوان المحاسبة هو الذي رفض الـTVA وقال إنها غير قانونية وقال: «مشكلتك مع ديوان المحاسبة وليس معي وقصة الـTVA كلها سرقة».
أما باسيل فعاد ورد على حسن خليل قائلاً: «إن ديوان المحاسبة اكد بقراره الاول صحة العقد وقال: «يلي ما فيTVA يللي بدو يحرّف بيحرف مش بقلب العقد».
هذا الرد تبعه رد من الوزير حسن خليل الذي قال: «يللي بيتحدث هيك هو هيك».
وعلى الأثر احتدم الكلام الى حد تبادل الاتهامات بالسرقة، ما استدعى تدخل رئيس الحكومة سعد الحريري الذي عمد الى تهدئة السجال وتم رفع الجلسة.
وكان عون قد اكد في مستهل الجلسة: «لا نقبل أن تستبيح اسرائيل اجواءنا، وندين هذا الاعتداء بشدة ونستنكره، وسيرفع لبنان شكوى الى مجلس الامن الدولي في شأنه، وأي اعتداء اسرائيلي ضد أي دولة عربية، هو موضع ادانة ورفض من لبنان بشكل مطلق».. بدوره، تناول رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ما حققه مؤتمر «سيدر»، مؤكدا أن نجاح المؤتمر هو نجاح للجميع