نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن ضرورة رد الغرب على الهجوم الكيميائي الذي شنه النظام السوري على دوما، في السابع من نيسان/ أبريل، وهي المواجهة الثانية التي يجد فيها الثلاثي، فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، أنفسهم مجبرين على التصدي لبشار الأسد.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير، إن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة تعهدوا بالرد بقوة على الهجوم الكيميائي، الذي راح ضحيته 48 قتيلا من بينهم أطفال، الذي شنه نظام الأسد في السابع من نيسان/ أبريل على مدينة دوما في الغوطة الشرقية، آخر معقل للمعارضة بالقرب من دمشق، والتي ترزح حاليا تحت وطأة القصف الشديد من قبل قوات النظام وحلفائه.
وأشارت الصحيفة إلى أن خطط الرد العسكري ذهبت أدراج الرياح يوم 31 آب/ أغسطس من سنة 2013، بعد أن تخلت عنها المملكة المتحدة، وتراجعت إدارة باراك أوباما عن قرارها في آخر لحظة، في حين كانت الطائرات الفرنسية جاهزة للإقلاع. آنذاك، عبّر الفرنسيون عن استيائهم الشديد من الإدارة الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين، تجاوز نظام الأسد الخط الأحمر المتعلق بالأسلحة الكيميائية مرة تلو الأخرى، كان آخرها ما حصل يوم السبت في دوما، وهذا يعني أن الرد العسكري بات حقيقة لا مفر منا هذه المرة. وفي الواقع، لا ينتاب الفرنسيين والأمريكيين أدنى شك حيال الطبيعة الكيميائية والسمية العصبية للهجوم أو مصدره. وفي هذا السياق، وعدت واشنطن باتخاذ "قرارات كبرى"، في حين يستعد الإليزيه للرد.
وذكرت الصحيفة أن إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب، المنسجمين جدا، تحاورا مرتين عبر محادثة هاتفية منذ وقوع الهجوم الكيميائي، وهما يأملان أن يتولد عن ذلك "استجابة قوية من المجتمع الدولي". كما وجهت باريس أصابع الاتهام إلى روسيا، إذ تساءلت الوزيرة المكلفة بالشؤون الأوروبية بوزارة الخارجية الفرنسية، ناتالي لوازو، عن مسؤولية روسيا فيما يحدث، ذلك أن طائرات النظام لا تقلع دون إذن منها. كما شاطرها رئيس الوزراء إدوارد فيليب الرأي ذاته، قائلا "إن حلفاء النظام يتحملون مسؤولية خاصة في هذه المجزرة".
وأوردت الصحيفة أنه في حال امتنع الرئيسان الفرنسي والأمريكي مرة أخرى عن فرض احترام الخط الأحمر الكيميائي، فإنهما بذلك سيفقدان مصداقيتهما، التي بدأت تتلاشى في سوريا. وإذا خذلا السوريين مرة أخرى، فإنهما بذلك يدعمان بشكل غير مباشر انتشار الأسلحة الكيميائية على هذا الكوكب، ما من شأنه أن يعطي الضوء الأخضر لإفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب. وفي الوقت الحالي، تتوقع دمشق ضربات جوية وشيكة، لهذا وضع النظام قواته "في حالة تأهب قصوى" في المطارات والقواعد العسكرية.
وبينت الصحيفة أن السؤال المطروح الآن يتمحور حول أهداف الرد العسكري. ففي شهر نيسان/ أبريل من سنة 2017، كانت الضربة السياسية التي نفذها دونالد ترامب، والتي أراد من خلالها، ومن دون شك، محو ما اعتبره خطأ باراك أوباما في سوريا، الذي حصر العمل العسكري في استهداف القواعد العسكرية عديمة الفائدة.
وعلى أي حال، لم تمنع هذه الخطوة النظام من ارتكاب هجمات كيميائية جديدة. وإذا كانت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة تتذكر العواقب المؤسفة الناجمة عن امتناعهم عن التصويت في آب/ أغسطس من سنة 2013، على سمعتهم في العالم، وفي أعين تنظيم الدولة الذي شعر حينها بأن أجنحته بصدد النمو، فإنهم يدركون جيدا خطورة التصعيد.
وأفادت الصحيفة بأن التصعيد الآن له عواقب خطيرة، خاصة أن الوضع تغير كثيرا في الأراضي السورية منذ آب/ أغسطس سنة 2013. فخلال سنة 2015، سمح التدخل العسكري الروسي والإيراني لنظام بشار الأسد باستعادة السيطرة والتفوق على المعارضة. كما أن روسيا، التي تسيطر على المجال الجوي السوري وتستنكر مخطط شن ضربات عسكرية، لن تكون بأي حال من الأحوال حليفا للطائرات الأمريكية أو الفرنسية أو ربما البريطانية.
لقد قدمت موسكو دلالة منذرة يوم الثلاثاء باستخدام حق النقض ضد مشروع القرار الذي قدمه الأمريكيون لمجلس الأمن الدولي، وستساندها في ذلك كل من إيران وتركيا.
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أن الشرق الأوسط بات أشبه بقنبلة موقوتة، يتصارع فيه الفاعلون الحازمون والخطرون في بعض الأحيان. لكن، كما قال أحد الدبلوماسيين: "في العراق، قصفنا وغزونا البلاد وكانت الكارثة. في ليبيا، قصفنا لكننا لم نغزها، وما زالت الكارثة. في سوريا، لم نقصفها ولم نغزها، ولكن الكارثة ستحدث لا محالة".