كل المؤشرات تفيد بفصل الضربة الإسرائيلية لمطار التيفور العسكري في ريف حمص، عن تداعيات استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي والحملة الدولية المتصاعدة للردّ على استخدام النظام هذا السلاح. لكن، لا شك أن المسارين لا ينفصلان، حيال التوجه الغربي في التعامل مع الوضع في سوريا، وتحديداً مع الوجود الإيراني هناك. استفادت إسرائيل من الوضع الضاغط لاستعادة نشاطها العسكري في السماء السورية، وتجلى ذلك في الضربة التي وجّهت إلى مطار التيفور والتي أدت إلى سقوط قتلى إيرانيين. وفيما إيران أعلنت عبر مسؤوليها عن استعدادها للردّ، تؤكد مصادر قريبة من حزب الله أنه حين تتعرض إيران إلى هجمات من هذا النوع، فهي غالباً ما تردّ عليها ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة، خاصة أن الضربة أدت إلى سقوط قتلى إيرانيين، وهذا أمر لا يمر في طهران، وتتوقع المصادر أن يكون الردّ بعد فترة عبر عملية تستهدف إسرائيليين سواء عبر صاروخ أو عبر تفجير.
يبدو أن الردّ الآن على هذا الهجوم غير مطروح، بسبب الوضع الدولي، واستعداد الولايات المتحدة الأميركية لتوجيه ضربة ضد النظام السوري والمواقع الإيرانية في سوريا. بالتالي، أي رد إيراني سيؤدي إلى تصعيد الحملة العسكرية وتوسيع نطاقها، فيما تفضّل طهران السكوت لامتصاص الصدمة والانحناء أمام الريح. والأمر نفسه يفعله الروس، الذين يبحثون عن إبرام صفقة معينة مع الأميركيين، بشأن إعادة رسم مناطق النفوذ في سوريا، وتجنّب التصعيد الأميركي واقتصار الضربة الأميركية المزمع توجيهها على ضربات محدودة لا تغير في موازين القوى والمعطيات على الأرض.
في المقابل، تستمر واشنطن بحملتها الضاغطة على موسكو وطهران، في سوريا ومن خلال العقوبات الاقتصادية. فاقتصادا البلدين يواجهان ضغوطاً هائلة. وهذا دليل على أن واشنطن تريد استدراج صفقة معينة من منطق القوة، بدون الحاجة إلى اللجوء إلى معركة عسكرية. الأكيد، وفق المعطيات، أن واشنطن غير جاهزة للدخول في حرب واسعة أو طويلة الأمد في سوريا، بل تريد توجيه الضربة لتثبيت نفوذها ورسم خطوط حمر، لا سيما أمام مناطق النفوذ الإيرانية.
هنا، يحصل التلاقي الاستراتيجي بين الإسرائيليين والأميركيين. وهذا ما تؤكده المعلومات في شأن استهداف مطار التيفور، الذي يبدو أنه يتخطى مجرّد استهداف شاحنة أسلحة لحزب الله، أو قاعدة لإطلاق الطائرات بدون طيار للإيرانيين. إنما هي رسالة أساسية إلى عنوان المرحلة المقبلة، وهو أن هناك خطوطاً حمراء سترسم أمام إيران، وممنوع عليها تجاوزها. وهذا ما يؤكده المسؤولون الإسرائيليون الذين يشددون على منع إيران من الوجود في الجنوب السوري. وهذا قد يدلل على وجهة الضربة الأميركية التي قد تتعرض لها المواقع الإيرانية في سوريا. وتشير بعض المعطيات إلى أن الضربة ستكون مختلفة عن ضربة مطار الشعيرات وأكثر فعالية منها. من خلال تحديد بنك أهداف لمواقع تابعة للإيرانيين والنظام السوري، يشمل مخازن أسلحة، ومواقع لحزب الله، ومطارات. فيما تشير المعلومات إلى أن الحزب والإيرانيين أجروا عمليات تموضع وانسحابات من بعض المناطق والمواقع.
لكن الأساس، هو أن هذه الضربات لن تؤدي إلى تغيير موازين القوى على الأرض، لا سيما أن الوجود الروسي في سوريا يمنع اتساع رقعة الحرب وإطالة أمدها. ولن يحصل صدام أميركي روسي في سوريا، بل ما يريده الأميركيون وبالإتفاق مع حلفائهم العرب ولا سيما الخليجيين هو إيصال رسائل بالنار للإيرانيين في شأن تحجيم نفوذهم في سوريا. وهذا يتضح من خلال التنسيق الدولي بشأن الرد على الهجوم الكيماوي، ويبرز التناغم في المواقف الأوروبية مع أميركا ودول الخليج.
لكن السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه في حال حصول أي ضربة عسكرية من هذا النوع، هو عن موقف إيران وروسيا من ذلك، وهل ستردّان على هذه الضربات؟ البعض يشير إلى إبلاغ أميركي للروس بشأن الضربة المزمعة. وهذا سيؤدي إلى إبعاد الروس عن ذلك. أما في حال ردّ الإيرانيون فهذا يعني توسيع نطاق الحرب، وربما قد تشمل جبهات أخرى من بينها جبهة الجنوب اللبناني. لكن هذا يبقى مستبعداً في إطار المعطيات المتوافرة، وفي ظل مظلّة الحماية التي يؤكد المسؤولون اللبنانيون توفّرها لمنع لبنان من الإنزلاق إلى هذا المستنقع.