تحضر أخبار الضربة العسكرية التي تستعد الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها لتوجيهها إلى النظام السوري وحلفائه، في المشهد السياسي اللبناني. حتى أن الاهتمام بالانتخابات النيابية تراجع على حساب مراقبة هذه التطورات الدولية. وقد وصل الأمر بالبعض إلى التشكيك في مكانية حصول الانتخابات إذا ما تطورّت الأمور وتوسع نطاق الضربة العسكرية، أو إذا ما قوبلت بردّ إيراني. ويبدي مسؤولون لبنانيون خشيتهم على الوضع في لبنان، لا سيما أنه قد يكون معبراً للطائرات التي ستستهدف سوريا. ما استوقف كثيرين من المسؤولين الذين ابدوا اعتراضهم على ذلك.
على هامش حديثه عن مؤتمر سيدرا، تحدّث الرئيس سعد الحريري عن المظّلة الدولية التي تحمي لبنان، وتقيه انتقال نيران المنطقة إليه. وردّاً على سؤال "المدن" عن نتيجة لقائه في فرنسا مع كل من الرئيس ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإذا ما تناولت هذه التطورات، أجاب الحريري بأن اللقاء ركّز على ضرورة التزام لبنان بالنأي بالنفس والحفاظ على استقراره، وتجنّب حصول أي تجاوز من قبل أي فريق، كي لا ترتد العمليات على أراضيه، أو تؤثر على أمنه واستقراره. وأكد الحريري أن لبنان يلتزم النأي بالنفس. الأمر الذي لم يعجب الرئيس نبيه بري، الذي اعتبر أن النأي بالنفس لا يعني القبول بضرب سوريا واستخدام المجال الجوي اللبناني.
واعتبر بري أن أولى ضحايا التصعيد في المنطقة ستكون وحدتها، وإزهاق مزيد من أرواح أبنائها، لا سيما أن هذه الحرب، إن وقعت، ستكون ممولة من ثروات العرب، ونتائجها ستكون سلبية عليهم. وفيما يرى أن الجميع يرقص على حافة هاوية الحرب، مرر إشارة لافتة في سياق "مختلف ومرتبط"، تتعلق بالانتخابات اللبنانية، إذ اعتبر أن القانون الحالي، إذا ما بَقي في صيغته المعمول بها اليوم، فهو قانون خطير جداً على لبنان. ويفسر يفسّر البعض على أنه اشارة ضمنية من بري إلى إمكانية تطيير الانتخابات بفعل تطور الأوضاع العسكرية.
في ما يخص الضربة، تلاقت مواقف عدة مع موقف رئيس مجلس النواب، وأبرزها موقف النائب وليد جنبلاط، الذي اعتبر أنه في ظل التطورات المقبلة والتي قد تكون غير مسبوقة على المنطقة، فإن سياسة النأي بالنفس يجب أن تشمل كل الأفرقاء اللبنانيين ورفض استخدام لبنان بأي طريقة في أي محور. ولدى سؤال جنبلاط عن توقعاته لما سيحصل وما الذي يقصده بتغريدته، أجاب لـ"المدن": "ليس لدي المعطيات الكافية في شأن ما سيحصل. ولكنني أحذّر من الانحياز غير المدروس لأي طرف. لأن البلد لا يحتمل. لذلك، أتبنى موقف الرئيس بري".
حتى الآن، لا يمتلك أي من الأفرقاء اللبنانيين أي رؤية واضحة لما ستحمله التطورات الدولية. لكن كل الإشارات تفيد بالوصول إلى حالة تصعيد غير مسبوقة، لا سيما في انضمام العديد من الدول الوازنة إلى الخيار الأميركي. لذلك، تبرز المواقف الداعية إلى عدم الانحياز لأي طرف، كي لا يدفع لبنان أي ثمن. وهناك من يتخوف من أن تطاول الضربات بعض المناطق اللبنانية في الجنوب أو البقاع، وتحديداً في السلسلة الشرقية حيث يعتقد أن لحزب الله مخازن أسلحة. وهذا بالتأكيد لن يمرّ من دون ردّ. بالتالي، سيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة. لذلك، يركز الجميع على وجوب الحذر. فيما يلتزم حزب الله الصمت ويفضّل المراقبة للبناء على الشيء مقتضاه، مع تأكيده أنه جاهز لكل الاحتمالات. وما زاد من تخوّف اللبنانيين، هو إجراء الطيران المدني تعديلات على مسارات الطيران. بالإضافة إلى قرار الطيران الكويتي إيقاف رحلاته إلى لبنان ابتداء من الخميس وحتى إشعار آخر، بسبب معطيات لديه في شأن مخاطر قد تصيب الطيران في الاجواء المحيطة بلبنان.
وكان قد جرى التداول في بيان نسب إلى السفارة الروسية في بيروت، يحذّر رعاياها ويدعوهم إلى أخذ الاحتياطات وعدم التجوال في البقاع. مع الإشارة إلى وجود سفينة روسية جاهزة لإجلائهم إذا ما تطورت الأمور. لكن السفير الروسي الكسندر زاسبيكين نفى لـ"المدن" علمه بهذا البيان، قائلاً إنه لم يسمع به أو يطّلع عليه. وعن رؤيته للتطورات، فضّل الصمت ومراقبة الموقف الروسي الصادر من موسكو.
في غياب المعطيات الواضحة، تكثر التكهنات. البعض يعتبر أن الضربة لن تكون فاعلة وطويلة، ولن تغيّر الأمور. بالتالي، لن تؤثر على الاستحقاق الانتخابي. وحصول ضربة تشبه ضربة مطار الشعيرات سيؤدي إلى تخطيها، واستثمار النظام السوري فيها، وكذلك سيفعل حلفاؤه في لبنان، إذ إنها ستؤدي إلى التفاف بيئة حزب الله وحلفائه حول خياراته. بالتالي، ستصبّ الضربة والسياسة الأميركية في مصلحة إيران وحلفائها في المنطقة. فيما هناك وجهة نظر أخرى تستبعد إماكنية تحييد لبنان عن الصراع الإقليمي، لا سيما في ضوء تأكيد قوى الممانعة أنهم سيردون على أي ضربة سيتعرض لها النظام. أما ما أخّر الضربة، وفق المعطيات، فهو بعض الخلافات داخل الإدارة الأميركية، ولا سيما بين البيت الأبيض والبنتاغون، في شأن حجمها ومدّتها. بالإضافة إلى وجود خلاف بين الأميركيين والفرنسيين في شأن حجم الضربة وهدفها، وإذا ما كانت ستستهدف مخازن السلاح الكيماوي فقط، أم ستكون موسّعة وتشمل مواقع لحزب الله. وهنا يبرز الموقف الفرنسي الرافض استهداف المواقع الإيراني والتابعة لحزب الله، كي لا تنتقل الشرارة إلى لبنان، وفق ما تقول بعض المصادر الغربية.