"اختراق" بيانات "فايسبوك" الذي تم الكشف عنه أخيراً، والذي سمح لشركة "كامبريدج أناليتيكا" بالوصول إلى بيانات الـ"فايسبوك" العائدة لملايين المستخدمين، شكّل فضيحة صادمة. لقد فوجئ المراسلون والقرّاء عندما علموا أنه يمكن جمع معلومات شخصية عن أصدقاء الأشخاص الذين يقومون بتنزيل تطبيق "فايسبوك"، وتحويل استطلاع عن الصفات الشخصية إلى بيانات سياسية، وفوجئوا أيضاً بأنه يمكن توجيه رسائل تسويقية استهدافية بالاستناد إلى بروفيلات سيكوغرافية فردية، وجمع البيانات بطريقة خفيّة تحت ستار الأبحاث الأكاديمية، والتي تُستخدَم لاحقاً لأغراض سياسية. إنما هناك مجموعة واحدة من الأشخاص الذين لم تُفاجئهم هذه المعطيات التي ظهرت إلى العلن: إنهم الباحثون في شؤون السوق، واختصاصيو التسويق الرقمي الذين كانوا على علم بهذه التكتيكات (وفي حالات كثيرة، استخدموها) على امتداد سنوات. وأنا واحدة منهم. 

عندما كان أكاديميٌّ مبادِر يهتم بجمع البيانات لدى "كامبريدج أناليتيكا"، كنتُ نائبة الرئيس لشؤون مواقع التواصل الاجتماعي لدى شركة Vision Critical للبرمجيات الإلكترونية الاستخبارية التي تتولّى تشغيل التغذية الاسترجاعية من العملاء لدى أكثر من ثلث الشركات الواردة على قائمة "فورتشن" لأول مئة شركة. أراد عملاء شركتنا أن يعرفوا كيف يمكن أن تكمِّل البيانات المستمدّة من مواقع التواصل الاجتماعي، المعلومات التي يحصلون عليها من استطلاعات الزبائن، وكان يقع على عاتقي استنباط طريقة للدمج بين بيانات مواقع التواصل والبيانات المستمدّة من الاستطلاعات. نظراً إلى قائمة العملاء المهمّين والموثوقين الذين تتعامل معهم شركتنا، Vision Critical، أصبحنا هدفاً مستساغاً لعدد كبير من الباعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذين يتصيّدون حلولاً لجمع البيانات. عام 2012، أدرجتني شركة Microstrategy لتحليل البيانات، في أداة Wisdom الخاصة بموقع "فايسبوك"، والتي روّجتها الشركة بأنها مصدر للبيانات بالاستناد إلى "12 مليون مستخدم مجهول الهوية لموقع فايسبوك اختاروا الانضمام إلى الأداة". لكن عندما تكلّمت مع محلل من شركة Microstrategy في كانون الأول من ذلك العام، قال لي إن مجموعة البيانات العائدة للشركة – والتي كانت قد أصبحت تضم نحو 17.5 مليون مستخدم – تستند إلى 52600 مدخل فعلي فقط، أتاح كل منها الوصول إلى 332 صديقاً في المعدل. ما فعلته Microstrategy ليس أمراً غير معهود. فأسلوب جمع بيانات الأصدقاء، الذي احتلّ حيّزاً كبيراً في التغطية الإخبارية حول "كامبريدج أناليتيكا"، هو طريقة شائعة لتحويل حفنة من مستخدمي التطبيق إلى منجم ذهب.

يقول سام وستون، وهو مستشار في مجال الاتصالات يعمل في التسويق الرقمي وأبحاث السوق منذ نحو عقدَين: "كنا جميعنا ندرك أنه يمكن الوصول إلى بيانات الأصدقاء. إنما لا أظن أن أحداً كان مدركاً للتداعيات المحتملة قبل انتشار الخبر الأخير، والذي ربما كان من تداعياته فوز دونالد ترامب في الانتخابات".

ماري هودر، وهي مستشارة مخضرمة في شؤون الخصوصية تتولى الآن تطوير المنتجات لدى مجموعة Identity Ecosystem Steering Group، لم تُفاجأ أيضاً. فقد قالت لي: "كنت أعلم، قبل عشرة أعوام، أن واجهة برمجة التطبيقات (API) الخاصة بموقع فايسبوك تتيح للشركات جمع بيانات عن الأصدقاء"، مضيفة: "لكنني لم أُفاجأ أن الخبر كان له وقع الصدمة على 95 في المئة من الناس الذين لم يكونوا على علم بالأمر. كانوا يعتقدون أنه في حال أقدم فايسبوك على كشف البيانات، سيكشف بيانات الشخص المعني فقط. لم يكونوا يدركون أنهم يجرّون أصدقاءهم معهم".

إذا كان عدد كبير من خبراء التسويق ومطوّري البرمجيات الإلكترونية على علم بوصول "فايسبوك" إلى بيانات الأصدقاء، فهم كانوا أيضاً على علم بالتكتيك الذي يتم من خلاله الاستحواذ على البيانات بطريقة مقنَّعة من خلال التطبيقات أو الصفحات أو المسابقات المسلّية. من الشركات الأخرى التي تحدّثتُ مع ممثلين عنها عام 2012 شركة LoudDoor للإعلانات عبر "فايسبوك"، والتي كانت تقدّم وسائل معزّزة للاستهداف الإعلاني بالاستناد إلى البيانات التي كانت تجمعها من ملايين مستخدمي الـ"فايسبوك". كانت الشركة تدير شبكة من صفحات الـ"فايسبوك" هي عبارة في شكل أساسي عمّا يُسمّى بـ"مزارع المحتوى" (content farms)، مثل صفحة Diving Wrecks and Reefs التي كانت تتألف من صور جميلة تحت المياه. ومن حين لآخر كانت تظهر استطلاعات آراء لعشّاق الموقع تَجعلهم يدخلون في مسابقات؛ وكان يترتّب عن المشاركة في الاستطلاع تحميل تطبيق "رضى المستخدم" الذي يتيح لموقع LoudDoor الدخول إلى جميع بيانات المستخدمين. ربما بدت مثل هذه الصفحات والتطبيقات بريئة لمستخدم "فايسبوك" العادي، إنما لا يمكن خداع العاملين في قطاع التسويق.

تقول سوزان يادا، الخبيرة في الاستراتيجيات الإعلانية عبر "فايسبوك": "كان معلوماً لدى الأشخاص العارفين بأمور الإنترنت، أنه إذا خضعتَ لاستطلاع لمعرفة نوع الجبنة الذي تفضّله، هناك شخص ما في المقلب الآخر مهتم جداً بالحصول على تلك البيانات". 

لم يكن استطلاع الشخصية الذي ابتكرته "كامبريدج أناليتيكا" مميّزاً بين تطبيقات جمع البيانات الواسعة الانتشار في تلك المرحلة، يعلّق وستون "انه لأمرٌ صاعق أن الاستطلاع السخيف أتاح لهم الحصول على البروفيلات السيكوغرافية لخمسين مليون أميركي"، مضيفاً: "حتى بالنسبة إلى الأشخاص الذين كانوا يعملون سابقاً في المجال، فإن [خبر "كامبريدج أناليتيكا"] هو من اللحظات التي دفعتنا إلى التفكير ملياً في هذا النشاط الذي انسحبنا منه، لكنه كان جزءاً كبيراً من القطاع لفترة طويلة".