تحتاج حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» ثمانية أيام للوصول إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط مصحوبة بمراكب حربية. ومنذ أيام قليلة ترابط مقابل ميناء طرطوس السوري مدمّرتان أميركية وفرنسية تحملان صواريخ، من بينها الصاروخ الاستراتيجي والتكتيكي توماهوك الذي يطلق على أهداف برية.
ستحتاج الديبلوماسية أسبوعاً أو أكثر بقليل ليتبين المراقب حدود الحرب الجديدة في المنطقة، ولا أحد يستبعدها حتى بعد تشاور دونالد ترامب مع الكونغرس في تلك الأيام القليلة. إعلان الحرب عززته صورة النقاشات الأخيرة في مجلس الأمن الدولي حيث تصاعد الكلام بين المندوبين الأميركي والروسي إلى حدّ الخروج من الديبلوماسية نحو تبادل الاتهامات بخفة، فكأن المندوبَيْن يتشبّهان ببرنامج «الاتجاه المعاكس» الذي تبثه قناة «الجزيرة» منذ انطلاقتها تاركة لضيفيها المدى غير المحدود للتعبير عن التعصُّب الأعمى والتحامل الذي لا يأبه بالوقائع.
حجم التحضير العسكري للحرب يؤكد حدوثها، ولكن لا أحد يعرف إلى الآن مدى شموليتها، وإن كان هناك إجماع على أنها ستطاول الجيش السوري ومناطق تجمُّع العسكريين الإيرانيين ومن يوالونهم على الأرض السورية. وقد سبق لإسرائيل والولايات المتحدة أن ضربتا مباشرة أو غير مباشرة تجمّعات الإيرانيين، فما سيحدث ليس الضربة الأولى لهؤلاء.
وقبل اشتعال الحرب تبادل الروس والأميركيون التهديد، ففيما قالت موسكو إنها سترد على أي ضربة توجّه إلى سورية، سارع الرئيس دونالد ترامب إلى الإجابة بدعوة الروس إلى الاستعداد لقذائفه التي وصفها بأنها «لطيفة وجديدة وذكية»، مشيراً إلى أن موسكو أخطأت حين عقدت شراكة مع الرئيس السوري «الذي يقتل شعبه بالغازات ويستمتع بذلك».
لا مجلس الأمن ولا أوروبا- عدا فرنسا- ولا مصالح أميركا في العالم ستثني واشنطن عن ضرب سورية. وإذا كان هناك من يعوّل على تفاهم غير معلن بين واشنطن وموسكو على حدود الضربة، فإن الكلام الصارخ بين الدولتين العظميين يدل إلى أن أميركا لن تراعي الخطوط الحمر الروسية إلاّ في استهداف الروس بعينهم، أما حلفاؤهم فليس من سقف يحميهم هذه المرة.
لغة الحرب والاستعدادات الكبيرة لها تشير إلى ما يتعدى الشأن السوري الداخلي، فمطلوب من الضربة أن تضبط العلاقات في الشرق الأوسط كله، وتعيد القوى الأجنبية إلى أحجامها وحصصها في سورية التي تحظى بقبول واشنطن، فسورية التي نعرفها ليست في الحسبان، وإنما تقسيم النفوذ غير العربي فيها هو ما ستؤدي إليه الضربة الأميركية - الفرنسية.
ويجب أن لا يغيب عن المراقب أن الرئيس الأميركي هو في حال تنسيق تام مع البنتاغون، فالضربة رسالة أميركية سياسية وعسكرية إلى المنطقة والنافذين فيها، مؤداها، على الأقل، تحجيم الوجود الإيراني في سورية إلى الحد الأدنى الممكن، مع تحجيم الأسد أو حذفه، إذا كان هناك اتفاق مع موسكو على البديل.
إنها الحرب. ومهما كانت حدود الضربة في سورية، فما يحدث هو رسالة من واشنطن إلى موسكو والإقليم والعالم العربي، ودعوة مبكّرة إلى يالطا جديدة تحدد مستقبل المنطقة وكياناتها والقوى النافذة فيها.