حصد مؤتمر «سيدر» الذي عقد نهاية الاسبوع الماضي في فرنسا من أجل دعم لبنان وتعزيز اقتصاده واستقراره 11.5 مليار دولار تتوزع بين قروض وهبات. تشكّل القروض ما قيمته 10.2 مليار دولار منها 9.9 مليار دولار على شكل قروض ميسرة، أما الهبات فتبلغ قيمتها 860 مليون دولار بما فيها هبات لدعم القروض.
وفي قراءة اقتصادية لهذا المؤتمر، يرى النائب ياسين جابر ان المجتمع الدولي عبّر عن دعمه للبنان بشكل قوي من خلال مؤتمر سيدر، الا ان الاهم ان يعبّر لبنان عن نيته الاستفادة من هذه الفرصة، خصوصا وان الكلام الذي قيل في المؤتمر كان واضحا بضرورة القيام بالاصلاحات.
وعمّا سيميز «سيدر» عن مؤتمرات باريس خصوصا وان مساعدات مؤتمرات باريس كانت ايضاً مشروطة باصلاحات لم تتحقق، قال جابر لـ«الجمهورية»، من الصعب اليوم التنبؤ بما سيحصل في الفترة المقبلة وعما اذا كان لبنان سيسير بالاصلاحات المطلوبة منه لأننا على مشارف انتخابات سيتشكل على اثرها مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة، الا ان ما يخيفنا ان هذه الحكومة تحاول توريط الحكومة المقبلة بما سيكون مضرا جدا للبلد بدءا بعقد الكهرباء الخاص باستئجار بواخر بمئات ملايين الدولار.
واعتبر ان المطلوب اليوم ان يتوقف المسؤولون عن اتخاذ قرارات ملزمة للحكومة المقبلة وان نترك الامر للحكومة الجديدة، وان يكون هناك وعي كامل على المستوى السياسي في البلد لأن القيادات موجودة ولن تتغير، مع التشديد على ان كل اجهزة الانذار تصفّر لذا ندعو المسؤولين ان «يخافوا الله» حفاظا على البلد.
واذا كانت الارقام التي حصدها لبنان من مؤتمر سيدر هي ارقام مضخمة لأن من ضمنها عدد من الاموال اعيد احياؤها او اعطيت للبنان سابقا الا انه لم يستفد منها، قال جابر: بغض النظر عن حجم القروض وعما اذا كانت قديمة واعيد احياؤها فإن المجتمع الدولي ابدى نيته الوقوف الى جانب لبنان، وهناك ارادة واصرار دولي على الاستقرار في لبنان، انما للاسف يبقى ان يظهر لبنان جدية في التعاطي مع الاصلاحات واستيفاء الشروط المطلوبة من اجل الحصول على الاموال المرصودة.
واكد ان نجاح او فشل هذا المؤتمر او هذه المبادرة هو رهن ارادة اللبنانيين في تغيير المسار الحالي باتجاه مسار عقلاني.
حداد لـ«الجمهورية»
بدوره، اعتبر وزير الاقتصاد السابق سامي حداد ان مؤتمر «سيدر» يعدّ جيدا للبنان، انما لا يمكن القول ان مشاكلنا حلّت كلها بعد هذا المؤتمر، فمؤتمر سيدر لم يحل مشكلة العجز، بل علينا ان نحل مشاكلنا بأنفسنا.
اضاف لـ«الجمهورية»: ليس مجرد مشاركتنا في المؤتمر وابداء المجتمع الدولي كل الدعم للبنان يعني ان مشاكلنا حلت اكان في ما يتعلق بالميزانية او بالمالية. وتابع: لحل مشكلة الميزانية يجب خفض الانفاق ورفع المدخول، ورأى ان الخطوة الاساسية التي يجب الاقدام عليها اليوم، رفع تسعيرة فاتورة الكهرباء لأنها السبب الرئيسي للعجز. وللاسف ان مشكلة الكهرباء تعود لأكثر من 20 عاما وتسببت بمليارات الدولارات من العجز دون اي رادع.
واعتبر ان حل هذه المشكلة تتمثل بالشجاعة السياسية المتمثلة باتخاذ حكومة ما بعد الانتخابات قرارا برفع التعرفة مع مراعاة ذوي الدخل المحدود، متسائلا لما الدولة اليوم تعطي اصحاب الاموال والنفوذ الكهرباء مجانا وتجبي من الطبقة الفقيرة.
عياش لـ«الجمهورية»
من جهته، اعتبر الخبير المالي غسان عياش ان المساعدات التي تقررت للبنان في مؤتمر «سيدر» تظهر كم ان هذا البلد الذي يستخف به بعض اللبنانيين الى اي مدى هو بلد مهم، ذلك ان العالم اليوم مشغول لاسيما في الشرق الاوسط بالعديد من الأزمات ومع ذلك وجدوا متسعا لتقديم الدعم للبنان.
واعتبر عياش ان ما جرى في باريس مهم انما ولكي يكون المؤتمر منتجا وحتى يستفيد منه لبنان وكي يؤدي الى خلق وظائف بالقدر الذي يتحدث عنه رئيس الحكومة فالمسؤولية لبنانية ولم تعد عالمية، لذا لا بد من تنفيذ المشاريع التي جرى التصريح عنها، اما اذا لم تنفذ وتأمن التمويل لها فلا يمكنها ان تخلق وظائف، علما اننا تعودنا في السابق على عدم تنفيذ المشاريع، بحيث تقدم لبنان من المؤسسات المالية الدولية بالعديد من المشاريع التي تأمّن تمويلها من البنك الدولي ومن الصناديق العربية والاوروبية، ومع ذلك لم تنفذ.
لذا ندعو اليوم الى ان تركّز الحكومة كل اهتمامها على محاولة تنفيذ هذه المشاريع، اذ في حال بقيت هذه المشاريع على الورق رغم ان تمويلها مؤمن فهي لن تؤدي الى اي نتيجة. وهنا نستذكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أمّن التمويل للعديد من المشاريع المفيدة للبنان الا ان الادارة اللبنانية لم تكن مؤهلة لتنفيذها.
ودعا الرئيس سعد الحريري لكي يتفرغ بعد الانتخابات الى مهمة متابعة تنفيذ المشاريع التي جرى البحث فيها في مؤتمر سيدر، فإذا نجح في ذلك من دون شك ستتحقق للبنان نسب نمو اعلى وبالتالي خلق فرص عمل.