قلّل متابعون للشأن العراقي من أهمية عرض زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للوساطة بين السعودية وإيران، مرجّحين أن يكون كلامه ذا طابع استهلاكي محلّي وظرفي مرتبط بالانتخابات العامّة المقرّرة للثاني عشر من مايو القادم، والتي يخوضها الرجل بطموحات أكبر لا يؤسسها على برنامج سياسي مختلف، بقدر ما يقيمها على فشل كبار خصومه من داخل عائلته السياسية الشيعية، في قيادة البلد طيلة الـ15 سنة الماضية.
وجزم هؤلاء بأنّ العرض لن يجد أي صدى، بالنظر إلى الموقف السعودي الصارم تجاه إيران باعتبارها طرفا تنعدم معه أي مشتركات يمكن اتخاذها أساسا للحوار، بدليل إهمال الرياض لعروض سابقة صدرت عن طهران نفسها.
وقال الصدر في بيان نشره مكتبه، الثلاثاء، “إنّ التوتر السياسي بين الجمهورية الإسلامية، والمملكة العربية السعودية، يفيء على العراق بأجواء سلبية”، معربا عن استعداده للتدخل “لحلحلة بعض الأمور ولو تدريجيا، وما ذلك إلا لمصلحة العراق أولا، والمنطقة ثانيا”.
وبدا اختزال القضيّة في مجرّد “توتّر سياسي” بين بلدين جارين سطحيا وتبسيطيا إلى أبعد حدّ، نظرا لقفزه على الأسباب العميقة والمتشابكة التي أدت بالعلاقة بين الرياض وطهران إلى ما هي عليه الآن من توتّر.
وتُتّهم إيران على نطاق إقليمي ودولي، بزعزعة الاستقرار عبر التدخّل في دول الجوار، بما في ذلك العراق، وبدعم الإرهاب وإذكاء الصراعات الطائفية.
وتقود السعودية بما لها من وزن سياسي ودبلوماسي واقتصادي، مواجهة النوازع التوسعية لإيران في المنقطة. واعتبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنّ محاذير الصدام مع إيران تظل قائمة بفعل تماديها في سياساتها، قائلا في تصريحات نقلتها مؤخّرا صحيفة وول ستريت جورنال إنّ “العقوبات ستخلق مزيدا من الضغط على النظام الإيراني، وعلينا أن ننجح لتجنب صراع عسكري، وإذا لم ننجح في ما نحاول القيام به، فمن المحتمل أن نشهد حربا مع إيران خلال 10 أو 15 عاما”.
وبحسب مراقبين، فإنّ خوض زعيم التيار الصدري في قضية بمثل هذا التشابك والتعقيد، لا يخرج عموما عن تكتيكه المألوف، في جلب الأضواء وإحداث الدوي الإعلامي، خصوصا وأنّ الفترة هي فترة استعداد لانتخابات مفصلية.
المملكة العربية السعودية التي حدّدت موقفها بوضوح من إيران كطرف معتد، وحزمت أمرها على مواجهتها بطرق مختلفة، ليست بوارد الاستجابة لعرض وساطة من زعيم تيار سياسي عراقي، وهي التي تغاضت عن عروض حوار سابقة صدرت عن طهران نفسها
ويضع عرضُ الصدر لنفسه قادرا على التوسّط بين السعودية وإيران، في مصافّ الشخصيات ذات الأهميّة الاستثنائية، لا على صعيد محلّي فحسب، بل على صعيد إقليمي ودولي.
ولا يخلو العرض من رسالة مبطّنة لإيران، التي لا تعتبر الصدر من رجالاتها الثقات في العراق. ذلك أنّ الحوار مع السعودية مطلب إيراني سبق أنّ عبّرت عنه شخصيات رسمية إيرانية من ضمنها وزير الخارجية محمّد جواد ظريف.
كما أنّ الصدر، في حال فشله في منافسة قادة دينيين وسياسيين عراقيين شيعة كبار، على إظهار الولاء لطهران، يظلّ على الأقلّ في حاجة أكيدة إلى إظهار عدم تحيّزه ضدّها، والاصطفاف إلى جانب خصومها.
ويبدو الصدر بعرضه الوساطة المذكورة واقفا في منتصف الطريق، بين الرياض وطهران، وفي نفس الوقت مدافعا عن أطروحاته بشأن التوازن في علاقات العراق الإقليمية وعبور الطائفية والقومية والمناطقية، وهي جميعها شعارات انتخابية بامتياز من الصعب تركيبها على الواقع القائم في العراق، وملاءمتها مع تيار سياسي ديني يظل التشيّع أساسه الأوّل. ومن الواضح أنّ زعيم التيار الصدري على دراية بالتوجّس الإيراني من استراتيجية المواجهة التي تبدو السعودية والولايات المتّحدة بصدد استكمالها لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
وقياسا بزعماء سياسيين عراقيين شيعة، يبدي مقتدى الصدر قدرا من التوازن في العلاقة مع إيران، محاولا أن يخطّ له نهجا ينطوي على حدّ أدنى من الاستقلالية، مع محاولة تجنّب إغضاب طهران.
ومهما بلغت شعبية الرجل، فإنّه لن يستطيع تحقيق طموحه المستمرّ منذ سنة 2003 إلى المشاركة في حكم العراق، دون حصوله على ضوء أخضر إيراني.
ولا يستبعد سياسي عراقي من مناهضي النفوذ الإيراني في بلاده “حسن النوايا” في مقترح الصدر، لكنّه يستدرك بأنّ ذلك “لا يكفي ليفسّر تبسيط الزعيم الشيعي لملف الخلاف السعودي الإيراني ومن ثم تصوير نفسه قادرا على المساهمة في حلحلته”.
ويضيف “بين إصرار إيران على ما تراه ‘حقها العقائدي’ في التدخل بالشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، وبين رفض السعودية لذلك المنطق هناك مسافة هائلة من الأزمات لا يمكن طي صفحاتها بالتراضي وغض الطرف”.
ويشرح السياسي ذاته أن “إيران التي زرعت ألغامها في مناطق مختلفة من العالم العربي غير مستعدة للتراجع عن مشروعها إلاّ إذا جوبهت بقوة تدفعها مضطرة إلى القيام بذلك. وهو ما صارت السعودية على يقين منه، بعد أن أدركت أن لغة الحوار السياسي لم تعد مجدية”، مذكّرا بأنّ “ما صرح به ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان كان واضحا من جهة تسمية إيران دولة معادية”.
“أما إذا كان مقتدى الصدر قد قصد تجنيب العراق أضرار ذلك الصراع”، يضيف المتحدّث نفسه، “فإن الأمر لا يستوجب القيام بوساطة بقدر ما يستدعي من الصدر القيام بحملة شعبية داخل العراق من أجل الحد من الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي هناك”.ويختم بالقول “أعتقد أن على العراقيين أن يضعوا الخوف من الخطر الإيراني في مكانه الصحيح من اهتماماتهم وهو ما سيسمح لهم برؤية الأمور على حقيقتها”.