قال لي أحد مسؤولي “حزب الله” محدثاً: “لا نعلم إلى أين سيأخذنا السيد (حسن نصرالله) في إعلانه التصدّي للفساد، لأنه سيضعنا في مواجهة كثيرين وأوّلهم حلفاء لنا”.
لا يشك أحد في أن اعلان السيد نصرالله لم يأتِ من عدم وليس وليد ساعته وليس شأناً انتخابيّاً محضاً، ولم يولد من تذمّر أهالي بعلبك – الهرمل من نقص الخدمات في منطقتهم قياساً إلى مناطق أخرى وتحديداً في الجنوب، وتحميل نوّاب الحزب مسؤوليّة هذا التقصير، بل هو قرار سياسي له البعد الداخلي وأيضاً البعد الإقليمي.
ولم ينتظر السيد تحليلات كثيرة لموقفه فكشف عنه الأحد، إذ اعتبر أن “ضمانة عدم التواطؤ على المقاومة هو الدخول إلى الدولة. المطلوب التحصين السياسي للمقاومة من خلال الحضور القوي لمن يدعمنا في مجلس النوّاب وفي الحكومة”.
وبما أن المقاومة لم تعد شأناً داخليّاً محضاً بل ارتبطت بقرارات وحروب وحسابات إقليميّة توفّر الغطاء لحروبها خارج لبنان وتساعدها في الحراك إن في سوريا أو في العراق والبحرين واليمن والسعوديّة. لكن تلك “المقاومة”، والتي لم تعد مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تحتاج إلى حماية الداخل أوّلاً، وتحصين وضعها بين أهلها، لذا يحتاج الحزب إلى أكثريّة نيابيّة “ضامنة لعدم التواطؤ” عليه، وقادرة على تعطيل أي قرار أو قانون تعمل أو تحاول جهات دوليّة إمراره عبر مجلس النوّاب لمحاصرة الحزب سياسيّاً وعسكريّاً وماليّاً أيضاً. فالحزب الذي خسر غطاء الوصاية السورية، وغرق في الحرب السوريّة، يواجه اليوم حصاراً دوليّاً صارت معه ظروف الاستمرار أشد وطأة عليه أكثر ممّا كانت في كل الأوقات السابقة.
وتكشف حملة التعبئة التي دخل على خطّها الأمين العام مباشرة، عمق الأزمة، أزمة غياب الخدمات، وأزمة استبداد الفساد بمصالح الناس وعيشهم. فالحزب الذي كرّس معظم طاقاته وجهوده لأعمال المقاومة العسكريّة ورعاية عائلات مقاتليه، ترك “النصيب” الوظائفي لحركة “أمل” من جهة، ولشركاء في السلطة من جهة ثانية، وترك الخدمات في مختلف الدوائر الحكوميّة والمؤسّسات العامة، لكنّه مع تراجع التحويلات الماليّة وازدياد الأعباء، اكتشف الخطأ الذي ارتكبه إذ يعاني مجتمعه اللصيق من بطالة مرتفعة واوضاع معيشية وخدماتية متدنية. وبات الحزب كما آخرين، سابقين، وطارئين، يفتّش عن مكاسب وخدمات في مؤسّسات الدولة، ويحتاج أيضاً إلى حماية الوضع العام وخصوصاً المالي، لأن أي انهيار سينعكس على جمهوره أيضاً، ويضعف قدرة الصمود لديه. ويحتاج الحزب إلى عدم فرض ضرائب جديدة على الجمهور نفسه لأنّه بات غير قادر على دفعها. ويطلب الحزب العفو العام لتخفيف الضغوط عن كاهل مناصريه، وخصوصا تخليص أهالي بعلبك – الهرمل من نحو أربعين ألف مذكّرة غيابيّة تطاول نحو عشرة آلاف شاب وأكثر.
لكن التصدي للفساد ليس عملية سهلة كما قال رئيس الجمهورية ميشال عون الأحد في حديث إلى الإعلام الفرنسي، وهذه العملية ستضع الحزب الذي قرر اقتحام الداخل في مواجهة حلفائه وشركائه قبل اي فريق آخر، وسيكون امام احتمالين: خسارة المعركة أو خسارة الحلفاء والشركاء.