شكّلَ عيد الفصح لدى الطائفة الأرثوذكسية مناسبة لرسمِ خريطة الطريق التي ينبغي سلوكها في الاستحقاق الانتخابي في أيار المقبل، وفرصةً لوضعِ الإصبع على الجرح النازف سياسياً وانتخابياً.
وبَرز في هذا السياق، ما قاله المطران عودة خلال ترؤسِه خدمة الهجمة في كاتدرائية القديس جاورجيوس وتلاها قدّاس الفصح، حيث أكد «أنّ الشفافية مطلوبة وبإلحاح في الانتخابات».
قال المطران عودة: «لبنان على أبواب انتخابات، فنسأل الله أن تتمّ في أوانها بأقصى درجات الشفافية، إذ بها تتجدد الحياة السياسية ومِن خلالها يُحاسب الرأي العام ممثليه، ونسأل أبناءَنا أن يختاروا من يرون فيهم الكفاءة لحملِ صوتِهم والدفاع عن حقوقهم، عوضاً عن انتخاب من كانوا يتذمّرون منهم ومَن أنجزوا الصفقات».
وانتقد عودة التحالفات القائمة، وقال: «نشهد تحالفات انتخابية ظرفية يجتمع فيها متعارضون ومتخاصمون من أجلِ كسبِ الأصوات، مؤسفٌ أنّ البعض استسهلَ عملية الترشّح متجاهلاً أنّ دور النائب هو التشريع، ومِن الجميل أن يكون ممثّل الشعب قريباً من شعبه لكنّ مهمّاته لا تتوقف عند واجبات الخدمات، إذ عوَضاً عن الاهتمام في عمله التشريعي يُمضي وقتَه في تقديم خدماتٍ قد تكون غيرَ قانونية».
وقال: على اللبنانيين إيصالُ نوّابٍ يتمتّعون بالعِلم والخبرة والصدق والنزاهة والأخلاق للمساهمة بقيام دولة حديثة تقوم بواجباتها تجاه المواطنين، طالباً مِن اللبنانيين انتخابَ المستقبل الواعد.
وشدّد على أنّنا نعيش وضعاً صعباً يجد فيه الناس صعوبةً في تأمين كافة متطلبات الحياة ويشكون من الاقتصاد المتردّي، والمضحك المبكي أنّنا نسمع شكوى السياسيين من الوضع القائم. وقال: «الكلّ يتبادل التهَم عن المديونية في لبنان وعن الفساد المستشري لكنّهم لم يذكروا يوماً اسمَ فاسِد أو مرتشٍ، فكيف يكون فساد ولا فاسدين؟»
الراعي
بدوره، تجاوَز البطريرك الراعي التغنّي المتمادي مِن أكثر من مسؤول بالموازنة التي أقرّها مجلس النواب قبل أيام، وبأنّها الموازنة الأقلّ عجزاً، وأنّها الأسرع من ناحية إرسالها إلى المجلس وإقرارها، فيما هي من جهة تقوم على تخفيضٍ وهمي للعجز، فضلاً عن تضَمُنِها ما يتعارض، ليس مع الدستور ومقدمته فحسب، بل يهدّد الكيان اللبناني.
والملاحظة الغريبة، والتي ترسم علامة استفهام وريبةٍ، هي كيفية تمرير هذه المادة، خصوصاً مِن قبَل قوى سياسية لطالما نادت برفضِها التوطينَ وحذّرَت من هذا الخطر. الأمر الذي يبعث على الخشية من أن يكون هذا السقوط مرَدُّه إلى جهل، أو إلى العقلية «الاستلشائية» والمتسرّعة في مقاربة أمورٍ مصيرية، أو أن يكون هناك سهوٌ متعمَّد من قبَل البعض وأن يكون خلف الأكمة ما خلفها.
وقد أشار الراعي إلى هذا الخطر بقوله: إنّ المادة 50 من الموازنة تثير القلق. وقال: تُخيفنا جداً وكلَّ الشعب اللبناني، المادةُ الخمسون التي أضيفَت بسِحر ساحر على موازنة العام 2018. وهي أنّ كلّ عربي أو أجنبي يشتري وحدةً سكنية في لبنان، يُمنح إقامة دائمة له ولزوجته ولأولاده القاصرين، سائلاً: أهذه مقدّمة لاكتساب الجنسية، وللتوطين.
الجوّ الانتخابي
باقٍ مِن الزمن ستة وعشرون يوماً على الانتخابات النيابية، وأجواء البلد ملوّثة بدخان ماكينات انتخابية يديرها النافذون في السلطة، وتقدّم النموذج السيّئ عن الذهنية التي أداروا فيها هذه السلطة، وخبرَ اللبنانيون مساوئها طيلة فترة تسلّطِها، وزيفَ شعاراتها الوهمية التي تريد من خلالها إعادةَ إسقاطِ اللبنانيين من جديد تحت رحمتها عبر جعلِ 6 أيار 2018، تاريخاً مشؤوماً مسَخَّرًا لإعادة إنتاج أدواتها النيابية العمياء الباصمة سَلفاً على ما ارتكبته، وسترتكبه من معاصٍ وموبقات بحقّ البلد وأهله، وليس لجعلِه تاريخاً يبشّر بدخول البلد في مرحلة انتقالية من زمن العتمة السياسية والاقتصادية والحياتية والمعيشية والإدارية، إلى زمن النور، أو حتى وميضٍ منه.
ما يزيد هذه الأجواءَ تلوّثاً هو الإمعان في استغلال السلطة والنفوذ، وتسخير الدولة ومواردها كأملاكٍ حصرية لجهات سياسية معيّنة، وجعلِها مراكزَ لتقديم الخدمات الانتخابية والنفعية في الداخل، وجسراً إلى الخارج لعقدِ مؤتمرات على حساب الدولة في بلاد الاغتراب، وكلّ ذلك يجري على عينِك يا هيئة الإشراف!
تصويت المغتربين.. إرباك
وإذا كانت القوى السياسية قد أطاحت بالعناوين الإصلاحية التي أريدَ سريانُها في القانون الانتخابي الجديد، وبالمحرّمات التي حظّر القانون مقاربتَها، وذلك عبر إباحةِ اللجوء إلى الترهيب وممارسة الضغوط السياسية والأمنية على الناخبين، وإدخالِ عنصرِ المال على المكشوف في شراء الأصوات، خصوصاً في الدوائر التي تعتبرها جهات سياسية ملكاً حصرياً لها وتسعى إلى الاستئثار بتمثيلها مهما كلّفها الأمر، فإنّ هذه القوى اصطدمت بالتعقيدات والثغرات الكبرى التي تعتري القانونَ الانتخابي، ويتجلى الأكثر تعقيداً في كيفية احتساب الأصوات وتحديد الحواصل والصوت التفضيلي والكسور في هذه اللائحة أو تلك، يُضاف إليها المشكلة الآخذة في التفاقم أكثر فأكثر، والمتعلقة باقتراع المغتربين.
وعلمت «الجمهورية» أنّ اقتراع المغتربين، شكّلَ عنصراً إرباكياً للسياسيين، وخصوصاً أنه حتى الآن لم تعرَف من هي الجهة المسؤولة التي ستشرف على عمليات الاقتراع في الخارج، وزارة الداخلية أم وزارة الخارجية. على أنّ نقطة الإرباك الأساسية، تكمن في كيفية إدارةِ العملية الانتخابية، خصوصاً وأنّ الطاقم الديبلوماسي والقنصلي في الخارج قد لا يكون جاهزاً أو مؤهّلاً لإتمام هذه العملية، وإذا كان ثمّة من يقول بأنّ وزارة الخارجية ليست المسؤولة عن إدارة الانتخابات في الخارج، فهذا يعني أنّ المسؤولية تقع على وزارة الداخلية، التي أعلنَ وزيرها نهاد المشنوق بأنّ إجراء هذه الانتخابات يتمّ بإشراف السفراء والقناصل، ولا إمكانية لإرسال 140 مندوباً من لبنان إلى الخارج نظراً للكلفة التي سيُرتبها ذلك على الخزينة.
برّي - المشنوق
وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس مجلس النواب دعا وزير الداخلية خلال لقائه به الأسبوع الماضي إلى تدارُكِ كلّ الثغرات التي يمكن أن تنشأ في انتخابات المغتربين، وأوّل خطوات هذا الاستدراك تكون بإرسال مندوبين من لبنان لإدارة الانتخابات في المراكز المحدّدة للمغتربين في الخارج. إلّا أنّ وزير الداخلية أبلغَ رئيس المجلس بعدمِ قدرة الوزارة على إرسال مندوبين بالنظر إلى الكلفة المالية، علماً أنّ الكلفة المالية لإرسال المندوبين ليست مرتفعة وتتراوَح بين 300 و500 ألف دولار.
وبالتالي هذه الذريعة يناقضها صرفُ الأموال بملايين الدولارات من مجلس الوزراء، على السفرات إلى الخارج وكذلك على عقد مؤتمرات اغترابية بأبعادٍ انتخابية لجهات سياسية معيّنة، فضلاً عن أنّ الشريحة الكبرى من الديبلوماسيين والقناصل في الخارج، تعَدّ محسوبةً على جهات سياسية معيّنة في لبنان.
شكاوى
وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ جهات سياسية وبعض النواب، يعدّون لتقديم شكاوى حول هذا الأمر، وربّما إلى هيئة الإشراف على الانتخابات، على اعتبار أنّ انتخابات المغتربين، يَعتريها ما يمكن أن يؤدي إلى الطعن بالانتخابات، وخصوصاً أنّ هناك أسئلةً كثيرة حول أمن الانتخابات، وأمن الصناديق بعد انتهاء عمليات الاقتراع؟ وكيف ستُنقل من المركز إلى مكان تجميعها بدايةً، ومِن مكان التجميع إلى المطار، فالطائرة التي تُشحَن بها إلى بيروت؟ ومَن سيتولّى هذا النقل؟ ومن يَضمن ألّا يحصل شيء في الطريق وتُستبدل الصناديق أو يتمّ العبث فيها خلال هذه العملية؟ في لبنان كانت تُقطَع الكهرباء وتقوم القيامة وتتغيّر النتائج في لحظة، فكيف في هذه العملية المكشوفة التي يمكن أن تحصل فيها أمور وأمور؟
وعُلِم أنّ هذه المسألة تُشكّل أولوية لدى رئيس المجلس، وذلك «لتدارُكِ ثغراتها قبل الوقوع في المحظور، وفي هذه الحالة يجب الامتثال إلى المثل الشعبي القائل: «الباب اللي بيجيك منّو الريح سدّوا واستريح. وبالتالي على الدولة والوزارة المعنية أن توليَ هذه المسألة أهمّية كبرى.
الديون الجديدة
وما يزيد الأجواءَ الداخلية تلوُّثاً أيضاً وأيضاً، المحاولة المكشوفة من قبَل بعض أهل السلطة، لإيقاع اللبنانيين بالوهم بأنّ بلدهم يهرول مسرعاً نحو الانفراج والازدهار الاقتصادي والمالي، بفِعل المليارات التي حصَل عليها من مؤتمر «سيدر»، فيما هذه المليارات – إنْ وصلت أصلاً – ما هي إلّا أرقام تضاف إلى جبل الديون التي ترهق الخزينة اللبنانية، ويَشعر بثِقلها كلُّ مواطن لبناني، تستحضر معها سؤالاً يتردّد على كلّ لسان، كيف ستُصرَف؟ وأين؟، وكيف سيتمّ سدادُها؟ ومن أين؟ وبَرز في هذا السياق، موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري حيث عبّر لـ»الجمهورية» عن ارتياحه لِما وصَفه هذا الاحتضان الدولي للبنان، وهو أمر يبيّن الأهمّية التي يمثلها للبنان بالنسبة إلى العالم.
وأمّا في ما خصّ القروض، فليس المهم أن نقول إنّ لبنان حصل على كذا وكذا من المبالغ والأرقام على مشاريع البنى التحتية، وهذا أمر جيّد، لكن في خلاصة الأمر تبقى العبرة في التنفيذ وفي حسن التنفيذ. مع الإشارة إلى جهوزية مجلس النواب للقيام بما يتوجّب عليه في هذا المجال.
وعندما قيل للرئيس بري: ألا يتطلّب ذلك حسنَ التطبيق، وإطلاقَ حالة طوارئ ضد الفساد المعشّش في إدارات الدولة، وبالتالي الأمر يتطلب إدارة نظيفة؟، قال: بالتأكيد.
قروض الصوت التفضيلي
في رأي بعض المواكبين للمؤتمر، أنّ من نتائجه الفاقعة، أنّ المسؤولين يحاولون استغلالَ المؤتمر في حملاتهم الانتخابية، وباتوا يطلِقون الوعود باسمِ «سيدر»، وكأنّ الأموال التي يمكن اقتراضُها هي من أجل تأمين أصواتٍ تفضيلية.
وإلى جانب الاستغلال الانتخابي، هناك نقطة أخرى مظلمة تتعلق بالتضخيم المفتعل لتصوير نجاحات وهمية تمّ تحقيقها في المؤتمر. وبات السؤال المطروح ما هي المفاجأة السارّة التي تستدعي هذه الاحتفالات. وهل بات الحصول على قروضٍ ميسّرة ومربوطة بألف شرط وشرط مدعاةَ مفاخرةٍ يمكن تصنيفُه في خانة الإنجازات؟ ومتى أصبح الاقتراض إنجازاً يستحق الاحتفال؟ وكيف سيتم تنفيذ المشاريع، وهل تمّت دراسة جدواها الاقتصادية وتأثيرها على الاقتصاد.
وهل ستتمكّن الحكومة من تنفيذ الشروط الموضوعة للحصول على القروض؟ وما تأثيرات هذه الشروط على أوضاع اللبنانيين؟ ومِن هذه الشروط أنّ «الحكومة اللبنانية التزَمت في خفض العجز في الموازنة بنسبة 5 % من إجمالي الناتج المحلي في السنوات الخمس المقبلة بواسطة مجموعة من الإجراءات المتعلقة بالواردات». وليس مستبعَداً هنا أن تعمد السلطة إلى سلسلة جديدة من الضرائب والرسوم الموجعة على المواطنين لتدفيعهم الثمن