في لحظةٍ ما، يعود الشاعر إلى الشاعر ليقول: هل صحيحٌ أني أفعل ما أفعل؟ هل صحيحٌ أني أبذل نفسي خدمةً لهذا الشأن العام، لهذا التافه الشأن العام؟ لهذه الانتخابات؟ لنظامها النسبي؟ لصوتها التفضيلي؟ ولاحتمالات فوز "حزب الله" باللعبة الماكرة؟
في لحظةٍ ما، في تلك اللحظة بالذات، يقول الرجل العائد إلى جسده: فليذهب كلّ شيءٍ إلى الجحيم. أريد أن أحيا.
يعود الرجل في الثانية بعد منتصف الليل. في الأولى أحياناً. في الثالثة أيضاً. يعود بعد أن يصمت هدير المحادل الانتخابية، بعد أن يأوي صخب النقاشات إلى المكاتب المقفلة، ليخاطب وجوهه المتناثرة، ويحتضن الكلمات التي يتلقّاها من النجوم.
في مثل ذلك الوقت، بعد أفول النظرات حول الكؤوس، كما عند الفجر تماماً، ينصت الرجل إلى الشاعر، إلى نداء الحياة الشعرية، إلى الجنون، إلى الحفيف الهديل، إلى الحلم، إلى الشغب المُهلك الذي يمعن فيه، إلى المرأة التي تتمتّع بإرهاق العقل، كلّما حاول العقل أن يدير الشجون والشؤون.
آنذاك، يحدث أن يكون هذا الرجل جميلاً كفتى في العشرين، كثيابٍ ملقاةٍ على حافّة سرير، كسيّدٍ يعود للتوّ من مقامرةٍ خاسرة، كنظرةٍ تستعيد ذاكرتها المنسية على فستان امرأة.
آنذاك أيضاً، آنذاك خصوصاً، ينحاز الرجل إلى عدم الكتابة، عائداً كالإبن الشاطر الضالّ، إلى يديه اللتين يتذكّر بهما حياةً لا تعرف أن تعيش بعيداً من عطورها المبدّدة.
في لحظةٍ ما، في تلك اللحظة بالذات، في هذه اللحظة بالذات، يستعيد الرجل ما فاته من نزق، ليتصالح مع امرأة حياته، مع محنة الحياة، مع الشعر الذي يطلب منه أن يترفّق بأحوال الناس التائقين إلى خربطة السائد، ودحرجة الحجر عن القبر!
(عقل العويط)