حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النظام السوري من مغبة استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، منتقدا روسيا باعتبارها الحليف الرئيسي لنظام الرئيس بشار الأسد.
وأكد ماكرون أن بلاده مستعدة لتوجيه ضربات ضد أي موقع في سوريا يُستخدَم لشنّ هجمات كيميائية تفضي إلى مقتل مدنيين، إذا وجدت "أدلة قاطعة" على تجاوز الخط الأحمر، أي استخدام الأسلحة الكيميائية، كما فعلت الولايات المتحدة في وقت سابق، وفق تعبيره.
كالعادة، اجتماع طارئ لمجلس الامن الدولي. وكالعادة، الفيتو الروسي ومعه الصيني. سيؤول الاجتماع الى مهرجان خطابي لا نتيجة عملية تصدر عنه.
حقيقةً، ثمة في الامر معضلة، عدد القتلى والأطفال من بينهم، لا يشكل أدلة قاطعة على تجاوز الخط الأحمر.
مشهد الأطفال الذين تشوّهوا وفقدوا اطرافهم جراء القصف المتواصل على غوطتهم لارغامهم على الرحيل. أطفال صامتون لا يبتعدون عن أهلهم ولا يتحركون ليلعبوا، لا يُعتبرون أدلة قاطعة على تجاوز الخط الأحمر.
أولاد لا يجيدون اللعب ولا يجيدون الشرب ولا الاكل. جنس آخر من الأطفال، مذعورون بشكل جنوني، بوجوه صفراء شاحبة، معظمهم لا يستطيع التنفس بشكل طبيعي، ومع هذا، لا تزال الحاجة ملحة الى أدلة قاطعة على تجاوز الخط الأحمر.
العالم كله رأى هؤلاء الأطفال. ورأى غيرهم ممن قضوا جراء استخدام الغازات الاسدية السامة. لكن أي رئيس لدولة كبرى لم يكلف خاطره ليعمل بشكل فعال على وقف هذه المجزرة، مكتفياً باجتماعات في مجلس الامن يشلّها الفيتو.
الظاهر ان المجتمع الدولي تعب من الاجتماعات الطارئة التي صارت أشبه بالفولكلور، ونفض يده مما يجري في سوريا، ونفد صبره، وانزعج من المشاهد التي لم تعد تستحق المتابعة. فقد توصل قادة هذا المجتمع الى خلاصة مفادها ان الأسد باقٍ إلى المرحلة المقبلة. وبقاؤه يتطلب مزيداً من الإبادة الجماعية لتدعيم سلطة من أبقاه.
الأسد باقٍ بعدما أبرم نظامه والنظام العراقي مع إيران اتفاقا يقضي بإنشاء أوتوستراد من طهران يمرّ بكامل الأراضي العراقية ويجتازها وصولا إلى دمشق، وقد يُستكمل ليصل إلى العاصمة اللبنانية بيروت، ربما بعد نشوء أكثرية برلمانية جديدة تبارك صلة الوصل هذه، على أن تنفذ المشروع شركات إيرانية.
الأسد باقٍ، واسلحته الكيميائية تحصد المزيد من الأطفال. هذه المرة من دون اراقة دماء، مع المسارعة الى نفي علاقة نظامه بالأسلحة المحرمة دولياً بغية تنظيف الجيب الأخير المتبقي في الغوطة.
يبدو ان النتيجة سرّعت الحسم، فقد استأنف الأطراف مفاوضاتهم، من دون ان يتوقف القصف.
اما ردود الفعل على ما جرى ويجري في الغوطة فتلخصه وزارة الخارجية الأميركية بالقول إنها تراقب عن كثب ورود تقارير وصفتها بأنها مزعجة للغاية عن وقوع هجوم بالأسلحة الكيميائية في منطقة الغوطة الشرقية لدمشق، لترد وزارة الخارجية السورية على ما سمّته مزاعم أميركية في شأن وقوع هجوم كيميائي في دوما بالنفي، متهمة الأذرع الإعلامية لـ"جيش الإسلام" بفبركة المشاهد الفظيعة لجريمة الإبادة بالغاز السام لاتهام الجيش السوري، "في محاولة مكشوفة وفاشلة لعرقلة تقدمه"، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء السورية "سانا".
قبل المجزرة الكيميائية الأخيرة للنظام الاسدي، كانت القوات الروسية تعترض على منع "جيش الإسلام" مدنيين من مغادرة دوما.
وبعد المجزرة، قال محلل روسي ان السوريين اغبياء لانهم يقتلون بعضهم بعضاً، وأضاف بتعالٍ واحتقار، انه اذا لم تتدخل روسيا فسينهشون بعضهم بعضاً، أكثر فأكثر، ليساوي بذلك بين النظام والفصائل المسلحة.
الانكى ان المحلل الذي أصر على انه ليس بلا قلب، قال ان تدخل روسيا في سوريا جاء لدوافع إنسانية.
بالطبع، المجتمع الدولي لا يسأل لماذا يفرض الروس مغادرة المدنيين الغوطة الشرقية؟ لماذا يجب ان يرحلوا عن ارضهم وبيوتهم ومن سيحل مكانهم؟
لماذا يتم قتل المدنيين لإقناع المسلحين بالرحيل؟
المعادلة القائمة على التفاوض مع المسلحين لترحيلهم آمنين الى الشمال، لا تتم إلا باللحم الحي للمدنيين.
المعادلة قائمة على منح النظام الأسدي الجنسيّة السورية لأعداد كبيرة من الشيعة (نحو المليون)، ولا أحد يهتم بتحذير أطلقه مراراَ وتكراراً ناشطون سوريون عن "مخطط إيراني" في سوريا، يرمي الى تغيير تركيبة السكان المذهبية في البلاد، أقرب إلى سيناريو الدولة اليهودية، الذي يعتمد على "التوطين"، المنفَّذ على الأراضي الفلسطينية.
ولا أسئلة من المجتمع الدولي الشاطر في الإدانة، في شأن توجه عدد كبير من الإيرانيين، نحو شراء أراض وعقارات في مناطق سوريا، بدأ في محافظة حمص تحديداً، ومن ثم انتقل إلى العاصمة دمشق، ومناطق أخرى في سوريا، وبوتيرة سريعة ومنظمة، على ما يقول الناشطون في أكثر من وسيلة اعلامية.
مع هذا، لا يشعر المجتمع الدولي بضرورة الاستعجال للقيام بعمل جذري يوقف جريمة الإبادة والتهجير القسري. مسؤولو الدول الكبرى يحتاجون إلى أدلة قاطعة على تجاوز الخط الأحمر.
وفي انتظار الحصول على هذه الأدلة يؤكدون لنا انهم يراقبون ما يجري في سوريا. وعن كثب.