بعيداً عن الحماوة الانتخابية التي ترتفع مع كل ورقة تسقط من روزنامة الأيام الفاصلة عن إستحقاق 6 أيار، تتجه أنظار اللبنانيين إلى باريس التي تستضيف مؤتمر «سيدر» الخاص بدعم الاستثمارات والتنمية في لبنان بناء على الخطة التي ستعرضها الحكومة اللبنانية على المؤتمرين من عرب واجانب، والتي تركز على الإصلاحات البنيوية التي ستنفذ، بدءاً بتخفيض النفقات التي عبّرت عنها موازنة العام 2018 التي اقرها مجلس النواب مؤخرا وانتهاء بوقف مزاريب الهدر، ومحاربة الفساد المستشري، واعتماد الشفافية التامة وصولاً إلى الحوكمة، اما المشاريع التي سيطرحها الوفد اللبناني على المؤتمرين فتتمحور حول المياه والطاقة والنقل والبنى التحتية إلى جانب الصناعة والزراعة، على ان يقبل لبنان بنسبة معينة من الشراكة الأجنبية الخاصة في كل مشروع.
وكان المشاركون في هذا المؤتمر قد أكدوا في ختام الاجتماع التحضيري الذي انعقد الأسبوع الماضي على وجوب ان تتظهر مفاعيل مكافحة الفساد والشفافية ومعايير الإصلاح خلال عام، كما ركزوا في الجانب السياسي على ضرورة تطبيق سياسة النأي بالنفس فعلا لا قولا ومكافحة الإرهاب بكل انواعه، واحترام القرارات الدولية، ولا سيما القرارين 1559 و1701 والتزام لبنان بوضع الاستراتيجية الدفاعية التي تحصر السلاح بيد الدولة دون سواها.
ووفقاً لما تضمنه البيان الذي صدر عن الاجتماع التحضيري لمؤتمر «سيدر» هناك إقرار دولي بالاضرار التي لحقت بلبنان جرّاء كثافة النزوح السوري ولا سيما منها على اقتصاده الهش أساساً وعلى بنيته التحتية والقطاعات الانتاجية فضلا عن النسيج الاجتماعي لجهة ارتفاع معدلات البطالة ولا سيما في صفوف البالغين والشباب وانتقال أكثر من 200 ألف مواطن لبناني إلى خط الفقر، ما ادّى، وفق اعترافات كبار المسؤولين في الدولة، إلى ارتفاع معدل الذين هم تحت خط الفقر إلى أكثر من أربعين بالمئة، الأمر الذي حمل رئيس الجمهورية على مصارحة اللبنانيين بأن لبنان بات مهدداً بالافلاس.
وقبل ان يتوجه رئيس الحكومة إلى باريس أعلنت الحكومة عن التزامها بهدف ضبط الأوضاع المالية في البلاد عند خمس نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس المقبلة للخطة التي ستقدمها للمؤتمر من خلال مزيج من تدابير الإيرادات بما في ذلك تحصيل الضرائب، وتحسين تدابير الانفاق مثل تخفيض التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان الأمر الذي يسمح بتوفير فائض أساسي في الإيرادات وتلك من الخطوات الحاسمة الرامية إلى دعم استقرار الاقتصاد الكلي والتخفيض التدريجي للدين العام الذي يفوق الـ80 مليار دولار أميركي وللحصول على أفضل النتائج من برنامج الاستثمار الرأسمالي بما في ذلك التحفيز المستدام للنمو. بالإضافة إلى كل ذلك، فقد تعهدت الحكومة اللبنانية بمكافحة الفساد وتعزيز الإدارة المالية العامة وتحديث قواعد المشتريات التي عفى عليها الزمن وإصلاح الجمارك وتحسين إدارة الاستثمارات العامة على ان تترافق كل هذه الإجراءات مع خطة متكاملة لإصلاح الكهرباء عبر زيادة التوليد الكهربائي بالتزامن مع إقرار قانون جديد للمياه، وصياغة استراتيجية جديدة لإدارة النفايات تستند إلى اللامركزية في هذا القطاع. وبالنسبة إلى الدين العام المرتفع فقد لحظت الورقة التي رفعتها الحكومة اللبنانية إلى المؤتمر خطة متكاملة لتخفيضه تدريجياً وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة في حال حصلت على المساعدات التي تطلبها من مؤتمر «سيدر» والبالغة أكثر من 7 مليارات دولار أميركي.
وعلى الرغم من الآمال التي تعلقها الحكومة اللبنانية على المؤتمر واستجابته للمطالب اللبنانية، فإن معظم الأوساط السياسية في الحكومة والمعارضة لها تعبّر عن خشيتها من ان يؤول مؤتمر «سيدر» إلى ما آل إليه المؤتمر الذي انعقد الشهر الماضي في إيطاليا لمساعدة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى على تعزيز قدراتها من وضع شروط دولية على لبنان ذات طابع سياسي أكثر منها تقنية كشرط اعتماد النأي بالنفس فعلاً لا قولاً، ومحاربة الإرهاب وإقرار استراتيجية دفاعية تحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية دون سواها بالإضافة إلى احترام للبنان للقرارات الدولية ولا سيما منها القرارين 1559 و1701 الخاصين بالجنوب.
وفي لقاء الأربعاء النيابي أبدى الرئيس نبيه برّي امتعاضه من الخروقات التي تحصل ومن صرف الأموال في العديد من الدوائر والمناطق بشكل عشوائي وغير محسوب مما يدل على ان ثمة تخوّف عند اللبنانيين من ان لا يثمر مؤتمر «سيدر» الذي تبدأ اجتماعاته يوم غد الجمعة في باريس عن النتائج التي يتوخاها لبنان منه لتحسين أوضاعه ووقف الانهيار المتدرج بسرعة وهذا الشعور تعززه التقارير والأبحاث التي وضعها كبار الاختصاصين في لبنان ونُشر معظمها في وسائل الإعلام.