يمارس باسيل سياسة «أنا المسيحي أو لا أحد». فهو في الدوائر المختلطة طائفياً (صيدا - جزين، الشوف - عاليه، زحلة...) يتعاون مع كل القوى السنّية والشيعية والدرزية، بلا استثناء، لكنه يرفض التعاون مع الأحزاب المسيحية، ولا سيما منها «القوات اللبنانية». إنها خصمه الحقيقي، «داخل البيت»، وبينهما «عداوة كار».
يبدو مثيراً أنّ باسيل لم يجد، على مستوى الـ15 دائرة، مجالاً للتحالف- ولو المصلحي- مع شريكه في «وثيقة معراب» «المنكوبة»، فيما هو يوسِّع مروحة تحالفاته إلى الحدّ الأقصى، مع الآخرين، حتى أنه وجد مجالاً للتحالف مع «الإخوان المسلمين»؟
حرب الإلغاء الانتخابية التي يشنّها باسيل داخل البيت المسيحي تصبح أكثر عنفاً في دوائر جبل لبنان، ولا سيما منها المتن وكسروان - جبيل، وهي تشمل الخصوم في الأحزاب المسيحية، كما القوى المستقلة التي لطالما طبعت العمل السياسي في هذه الدوائر بطابعها الخاص.
مثلاً، في المتن الذي لطالما امتاز بالتنوّع السياسي، والذي لطالما كان مختبر التفاعل بين القوى والزعامات المسيحية، ترتفع الشكاوى من ممارسة غير مشروعة للسلطة واستخدام أساليب الضغط المختلفة على المخاتير والمفاتيح الانتخابية لاستيعابهم ودفعهم إلى دعم لائحة «التيار»، فيما تشكو القوى الأخرى، الحزبية والمستقلة، من تضييق الخناق عليها بوسائل مختلفة.
وثمّة مَن يسأل عن سبب سكوت الأجهزة الرقابية، ولا سيما منها هيئة الإشراف على الانتخابات، وتأخّرها عن القيام بواجبها في هذا المجال ووضع حدّ للتجاوزات، ما ينقذ الانتخابات من طعون محتملة.
ولكن، في المقابل، يعتقد المتابعون للخريطة الانتخابية مسيحياً أنّ استنفار «التيار» الاستثنائي ضد سائر القوى المسيحية، في كل الدوائر، يعبِّر عن خوفه من تراجع كتلته في المجلس النيابي، فيما هو في أمسّ الحاجة إليها لدعم العهد والتحضير للمعارك الآتية على مدى السنوات الخمس المقبلة.
لكن هؤلاء يقولون: «كل هذا الاستنفار لن يحقق لـ»التيار» غايته في الاحتفاظ بحجم كتلته الحالية. والمفاجأة المتوقعة هي أنّ غالبية خصومه المسيحيين، الحزبيين والمستقلين، تدبَّروا أمورهم ويستعدّون لخوض معركةٍ ناجحة في مواجهته.
في انتخابات 2009، وبفضل دعم «حزب الله» والتحالف مع تيار «المردة»، حصل «التيار» على 27 نائباً: 19 حزبياً و8 من أحزاب حليفة. لكنّ تقديرات الخبراء للكتلة العونية المنتظرة بعد انتخابات 6 أيار تمنحها أقلّ من 18 نائباً. وهذا التراجع يزعج «التيار» لأنّ هؤلاء النواب سيشكّلون الكتلة التي ستكون أداة العهد، والتي ستمنح مشاريعه التغطية البرلمانية.
سيقف باسيل، بعد الانتخابات، إلى رأس طاولة في الرابية تَقَلَّص فيها عدد الحاضرين، فيما هناك طاولات مسيحية أخرى ازداد عدد الجالسين إليها. فطاولة معراب مثلاً سيزداد عدد نوابها، وفق الخبراء الانتخابيين. ويشرح هؤلاء توقعاتهم لِما ستحصل عليه «القوات» بالأرقام، كالآتي:
• مقعد أو اثنان في بيروت الأولى (مع الوزير ميشال فرعون)
• مقعدان في الشوف - عاليه
• مقعد في بعبدا
• مقعد في زحلة
• مقعد في بعلبك - الهرمل
• 3 مقاعد في دائرة البترون - الكورة ـ بشري - زغرتا
• مقعد في عكار
• مقعد، أو اثنان، في كسروان - جبيل
وهذا ما يجعل الحصيلة المنتظرة ما بين 11 نائباً و13. وتكون بذلك كتلة «القوات» (8 نواب) قد نَمت بنحو 50%، فيما تراجعت كتلة عون نحو 35%.
وكذلك، يمكن لحزب الكتائب أن يحافظ على حجم كتلته النيابية، على رغم أزمة التحالفات التي عاشها. والنتائج المحتمل ان يحققها هي الآتية:
• مقعد في بيروت الأولى
• مقعد في المتن
• مقعد أو اثنان في زحلة
• مقعد في البترون
• مقعد أو اثنان في كسروان - جبيل
يعني ذلك أنّ الكتلة العونية في المجلس المقبل (نحو 18 نائباً) ستكون تقريباً موازية في الحجم لكتلتي «القوات» (نحو 12 نائباً) والكتائب (نحو 6 نواب) معاً، مع احتمال وجود فارق بسيط. فمن الصعب تحديد النتائج بدقّة بسبب طبيعة القانون النسبي، المرفَق بـ»الصوت التفضيلي».
على مستوى الخيارات الاستراتيجية، ليست لهذه النتائج أهمية كبيرة. فغالبية النواب المسيحيين الآخرين، خارج «القوات» والكتائب، سيكونون في 8 آذار («التيار» و»المردة» وسواهما) مع بعض المستقلين. ولذلك، لن يعاني «حزب الله» مشكلة في تأمين التغطية النيابية المسيحية. إلّا أنّ هذا التبدّل في التوازنات بين القوى المسيحية، داخل المجلس، سيقلّص هوامش المناورة لدى «التيار»، في المسائل التكتيكية.
ومشكلة باسيل لن تكون في حجم الكتلة، أي في الأرقام فقط، بل هي أيضاً معنوية. فالرقم الذي يمكن أن تحقّقه «القوات» إنما تحقِّقه وحدها، ومن دون الشراكة مع أيّ طرف غير مسيحي، وكذلك الكتائب.
وأمّا «التيار» فلم يوفِّر أيّاً من أنواع التحالفات، ولم يترك وسيلة سلطوية إلّا واستخدمها لتجميع نواب كتلته العتيدة… ومع ذلك، فسيتراجع حجمها!
إذاً، هناك مفاجأة أرقام مسيحية تنتظر «التيار» في 6 أيار، على الأرجح. عندئذٍ، هل سيدقّ باسيل الناقوس ويرفع شعار «يا غيرة الدين» ليُعيد اللحمة مع القوى المسيحية، في معاركه المنتظرة؟ ومَن سيصدّق هذا الشعار بعدما اكتشفت القوى المسيحية كلها خرافة اسمها «أوعا خيّك» داخل الحكومة والمجلس وفي الانتخابات؟