ما الذي يدفع الناس للتعاون مع بعضهم البعض؟ وما هي السمات الشخصية التي تقود شخصًا ما للقيام بشيء يعود بالنفع على الآخرين من حوله، وعلى نفسه أيضًا؟

تشير دراسة أجريناها حديثا إلى أن الإجابة تكمن في الذكاء؛ فهو الشرط الرئيسي لوجود مجتمع متعاون ومترابط اجتماعيًا.

في الماضي، كان خبراء الاقتصاد يعتقدون أن مراعاة مشاعر الآخرين، والسلوكيات المؤيدة للانفتاح الاجتماعي بشكل عام، هي ما يحفز الناس للتصرف بشكل أكثر كرما وتعاونا، وهو ما يؤدي للحفاظ على مجتمع متماسك ومترابط.

ويرى آخرون أن الالتزام بمبادئ الخير عموما، واحترام مؤسسات المجتمع، يدفعانا إلى سلوكيات أكثر نفعا من الناحية الاجتماعية.

لكن هناك احتمال آخر، وهو أن تحقيق المصلحة الشخصية يدفعنا أيضا إلى أن نصبح مواطنين صالحين بشكل فعال، كما أن التعاون يظهر في المجتمع إذا كان الناس يتمتعون بقدر كاف من الذكاء لرؤية النتائج الاجتماعية الإيجابية لسلوكياتهم.

وقد صُممت دراستنا، التي أجريت داخل معامل سلوكية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وشملت 792 شخصا، من أجل اختبار مثل هذه الآراء المتعلقة بدوافع الناس وراء التعاون مع بعضهم البعض.

وخلال هذه الدراسة، استخدمنا ألعابا تتضمن عددا من القواعد التي تُخصص جوائز للاعبين وفقا لقراراتهم التي يتخذونها خلال ممارسة هذه الألعاب.

ومن بين هذه الألعاب لعبة تعرف باسم "معضلة السجين"، وأسهل طريقة لوصف هذه اللعبة هي من خلال استخدام مثال لاثنين من المجرمين يُقبض عليهما، ثم يُستجوبان في غرفتين منفصلتين دون وجود أي وسيلة اتصال بينهما خلال فترة الاستجواب.

وتُعطى فرصة الاختيار لكل متهم منهما؛ إما بخيانة زميله من خلال الشهادة ضده بأنه هو من ارتكب الجريمة - وهو سلوك غير متعاون بالطبع مع هذا الزميل- أو التزام الصمت، والذي يكون بهدف التعاون مع هذا الزميل.

وإذا خان كل منهما الآخر، يُحكم علي كل واحد منهما بالسجن لمدة سنتين، نتيجة لذلك السلوك غير المتعاون. وإذا خان أحدهما الآخر وظل الآخر صامتا، فسوف يطلق سراح الأول (الذي خان زميله)، ويُحبس الآخر لمدة ثلاث سنوات. لكن إذا التزم الاثنان الصمت، فسوف يقضي كل منهما سنة واحدة في السجن، وهذا هو ثمرة ذلك التعاون بينهما.

ويعد هذا المثال نموذجيا، لأنه يُظهر لنا لماذا قد لا يتعاون شخصان عاقلان تماما مع بعضهما البعض، حتى لو بدا أن ذلك يصب في مصلحة الاثنين معا. وهو أيضا مثال جيد للعبة غير صفرية، حيث يكون السلوك المتعاون بين الطرفين مفيدا لهما بنفس القدر. وعموما، تُصور هذه اللعبة موقفا يعكس أولويات التفاعلات التي نمر بها جميعا مرارا وتكرارا في المجتمع.

وكما هو معتاد في مجال الاقتصاد التجريبي، جعلنا المشاركين في هذه الدراسة يمارسون هذه اللعبة للحصول على مكاسب مالية، بدلا من عقوبة السجن.

وقد جمعنا اثنين من اللاعبين في جلسة واحدة بطريقة عشوائية، وتركناهما يلعبان نفس اللعبة مرات عديدة، وبعد ذلك أعدنا توزيعهما للعب مع شركاء آخرين لمرات غير معدودة. واستمر ذلك لمدة 45 دقيقة، وقد تعلم كل لاعب منهما كيف يضبط ويعدل قراراته وفقا للطريقة التي لعب بها الآخرون في نفس الغرفة في الماضي.

الذكاء يدفع إلى التعاون

وبعد ذلك أعيد توزيع المشاركين على مجموعتين وفقا لسماتهم الشخصية والمعرفية التي كنا قد سجلناها قبل ذلك بيومين، من خلال استبيان طُلب منهم أن يجيبوا عن أسئلته. وكان تركيزنا ينصب على ثلاث سمات رئيسية، وهي الانفتاح اجتماعيا مع الآخرين، ويقظة الضمير، والذكاء.

وبعد ذلك حللنا عدد المرات التي اختار فيها المشاركون اتباع السلوك المتعاون خلال لعبة "معضلة السجين"، أي عدد المرات التي اختار فيها المشارك في اللعبة أن يكون أقل أنانية وأكثر تعاونا مع شريكه. ومن خلال ذلك، حسبنا ما أطلقنا عليه اسم "معدل التعاون".

وبصورة عامة، توصلنا إلى أنه كلما كان ذكاء المشارك مرتفعا، زاد سلوكه المتعاون خلال تلك اللعبة. وبينما لم يكن هؤلاء الأشخاص الأذكياء يتمتعون بسمات شخصية أساسية أكثر ميلا للتعاون مع الآخرين، مقارنة بالأشخاص المنفتحين اجتماعيا من الأساس مثلا، أظهر هؤلاء الأذكياء قدرة على تحليل المعلومات بشكل أسرع من أجل التعلم منها.

مساعدة الآخرين
من المرجح أن الأشخاص الأذكياء قد يستخدمون ما لديهم من ميزات معرفية. ولذا، في تحليل آخر، قمنا بتوزيع المشاركين على مجموعتين متجانستين في السمات الشخصية، ولهم نفس مستوى الذكاء تقريبا. وقد لاحظنا شيئا آخر.

فقد حاول الأشخاص الأكثر ذكاء تعليم الأشخاص الأقل ذكاء، ودفعوهم في النهاية إلى زيادة مستوى التعاون بينهم. وقد كان لذلك فوائد تعود على الجميع.

وتشير هذه النتائج الأخيرة إلى أنه حتى مع وجود عدد قليل من الأذكياء في وسط مجموعة ما أو في مكان العمل، فإن ذلك يمكن أن يعود بالفائدة على الآخرين.