على مسافة شهر من موعد إجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل، ظلّ الداخل اللبناني منشغلاً بمتابعة التحضيرات لخوض هذا الاستحقاق، وما يرافقه من عملية بيع وشراء الاصوات والذمم يمارسها البعض على «عينك يا تاجر» بحيث بلغ سعر «الصوت التفضيلي» في بعض المناطق أرقاماً خيالية، وعمد بعض المرشحين الى رفع سعر المندوبين من 200 الى 500 دولار للمندوب الدائم، و700 دولار للمندوب المتجول.
في هذا الوقت، اشتدّت حالة التململ والنقمة بين صفوف محازبي «التيار الوطني الحر» ومناصريه وارتفعت الشكوى «من المنحى الاستبدادي الذي يسلكه رئيسه الوزير جبران باسيل، في اعتبار أنّه يجوّف «التيار» من قيَمه ومبادئه ويُفرغه من مناضليه الحقيقيين الذين نهض «التيار» على اكتافهم، ويستبدلهم بجماعة «البيزنس» التي «لا يرتاح باسيل إلّا بالتعاطي معها»، على حدّ تعبيرهم.
وإذ أشارت المعلومات إلى استمرار عملية حجزِ المواقع للذين يخصّون باسيل ويعتبر انّهم يجلبون المليارات، لفتت الى انه فاحت رائحة لجوء رئيس» التيار» الى توظيف بعض اللبنانيين في شركات اجنبية لديها مشاريع في لبنان واقتطاعه حصة «حرزانة» من رواتبهم لمصلحته ويُبقي لهم على النذر اليسير. وقالت: «إنّ كلّ فرصة عمل متاحة امام باسيل يتركها لأبناء منطقة البترون خصوصا، ودائرته الانتخابية عموما خدمةً لمصلحته الانتخابية اوّلاً واخيرا».
فرنجية والتدخّلات
وفي غضون ذلك تحدّث رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية عن تدخّلات في الانتخابات، وقال: «إنّ من يتهجّم على الإقطاع ويتهم الآخرين به نراه في مشهد من الإقطاع العائلي». وأكّد «أنّ البعض يخوض معركة مبدأ والبعض يخوضها معركة مصلحة». وشدّد على أن «لا أحد يمكنه إلغاء الآخر، وكل المحاولات التي جرت فشلت».
وأكّد فرنجية خلال لقاء مع إعلاميين «أنّ هناك مساحة مشتركة في السياسة مع «التيار الوطني الحر»، ولكن المشكلة هي ان ليس لديه ايّ مساحة مشتركة مع كافة الافرقاء المسيحيين على اختلافهم، من «مردة» و«قوات» و«كتائب» ومستقلين، وهو بذلك يريد احتكار المسيحيين». وقال: «اليوم هناك لوائح العهد وليس لوائح «التيار»، ومن كانوا يتّهمونهم بالسرقة والإلغاء والاقطاع باتوا الى جانبهم، بل يتقدمون المشهد».
واعتبَر «أنّ مشكلة «التيار» من خلال قرارات قيادته أنّه يريد من «حزب الله» التطلع اليه وحده وإلغاء بقية الحلفاء على رغم وجودهم على الارض، فالتيار لا يريد حلفاء بل اتباعاً، فلا في ايام السوريين ولا قبلهم ولا بعدهم حصلت مثل هذه التدخلات، وفي تاريخ الانتخابات لم يقم احد بجولة انتخابية على حساب الدولة»، مشيراً إلى أنه «تمّ تعيين 50 قنصلاً فخرياً قبل الانتخابات، وهؤلاء هم 50 مفتاحاً انتخابياً» .
وأكد فرنجية «أنّ أيّ حرب إلغاء هي حرب غباء، لأنّ الحقد هو الذي يتحكّم، ومن يحاول إلغاء الآخر يحصل على نتيجة عكسية، لأنّ المستهدف يتحول ضحية ويتعاطف الناس معه». وأضاف: «التوقع كان ان يحدث تغيير جذري مع فخامة الرئيس عون في سياسة الدولة، إلّا أننا لم نشهد ذلك».
إشكال
وفي مؤشّر على ارتفاع حدّة التنافس الانتخابي وقع إشكال أمس في بلدة بوداي البقاعية بين أنصار المرشح النائب السابق يحي شمص الذي يخوض الانتخابات الى جانب تحالف «القوات» وتيار «المستقبل»، وأنصار لائحة الثنائي الشيعي (الأمل والوفاء)، تطوّر إلى تبادل رشقات من أسلحة رشاشة، وإطلاق بعض القذائف، من دون وقوع إصابات، ممّا استدعى تدخّلَ الجيش اللبناني الذي عملَ على تهدئة الوضع.
الخطة الأمنية
وقبل شهر على موعد فتحِ صناديق الاقتراع ترَأس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أوّل اجتماع لمجلس الأمن الداخلي المركزي خُصّص للبحث في الخطة الأمنية التي ستواكب الانتخابات، وأطلع المجتمعين على هدف الاجتماع وهو إمرار العملية الانتخابية في افضل ظروف أمنية وإدارية وأوعَز الى قادة الأجهزة بتشديد الإجراءات الأمنية قبَيل حصول العملية الانتخابية وفي أثنائها، خصوصاً في مكافحة الرشاوى الانتخابية وإحالة الموقوفين بهذا الجرم أمام القضاء. وطلب التشدّد قضائياً مع الموقوفين بهذا الجرم بعد إلغاء كل تراخيص نقلِ الأسلحة وحملها.
وعلمت «الجمهورية» أنه تقرّر أن يتولى نحو 20 ألف عسكري من قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة والأمن العام حماية 7000 مركز اقتراع تجمع 1800 قلم اقتراع، مِن الداخل وأبوابها وباحاتها، على أن تتولّى وحدات الجيش مؤازرة هذه القوى في محيط المراكز وعلى الطرق العامة، وأن تكون وحدات الدفاع المدني والصليب الأحمر في جهوزية تامة على كلّ الأراضي اللبنانية.
وتمّ ترميز مراكز الاقتراع وتصنيفها بنوعين، منها ما هو «أحمر» وهو ما يَستدعي اتّخاذ تدابير أمنية استثنائية فيها نظراً الى حساسية موقعها الجغرافي والانتخابي، وأُخرى عادية لا تستدعي أيّ تدبير استثنائي.
وأبلغَ المشنوق الى المجتمعين التدابيرَ التي ستتولّاها الشركة الدولية التي تعهّدت توفير مكننةِ عملية الفرز في لجان القيد بعد إجراء اوّل عملية عدّ للأصوات في اقلام الاقتراع عبر شاشات التلفزة، ليتسنّى لمندوبي المرشحين مراقبة العملية بدقّة.
ريفي
مِن جهة ثانية، قالت مصادر اللواء أشرف ريفي لـ«الجمهورية»: «إنّ الإعلامي حسين مرتضى هدّد ريفي بالقتل، وحتى اللحظة لم يتحرّك القضاء لمساءلته حول التهديدات المصوّرة التي وجّهها، ويفترض بالنيابة العامة أن تتحرك تلقائياً في هذه القضية». وسألت المصادر: «أين هو وزير العدل؟ وأين هو القضاء؟ ولماذا لم يتحرّك بعد»؟
«سيدر» وتراجُع الطموحات
وفي هذه الأجواء، ينطلق اليوم مؤتمر «سيدر» في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي من المتوقع ان يقدّم للبنان قروضاً لتمويل مشاريع في البنى التحتية.
وقد وصَل رئيس الحكومة سعد الحريري ليل أمس الأول الى العاصمة الفرنسية مترئساً وفد لبنان الى هذا المؤتمر الذي يتوقع ان يشارك فيه نحو 50 دولة ومؤسسة مالية عالمية.
وفي معلومات لـ«الجمهورية» مِن مصادر فرنسية أنّ برنامج المؤتمر هو الآتي: يُفتتح في التاسعة صباح اليوم بتوقبت باريس بكلمة لوزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان، تليها كلمة الحريري. وعند الأولى والربع بعد الظهر كلمة لوزير المال والاقتصاد الفرنسي برونو لومير. ثمّ يُعقد عند الثالثة و25 دقيقة عصراً لقاءٌ يَجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والحريري، في حضور الوزيرين لودريان ولومير، على أن يلقي الحريري كلمته في المؤتمر عند الرابعة، تليها كلمة ماكرون ختاماً.
وفي معلومات أُخرى لـ«الجمهورية» أنّ طموحات الوفد اللبناني «تراجعت قليلاً، وأصبحت اكثر عقلانية، وساد اقتناع بأنّ لبنان لن يحصل على المبلغ الذي كان يأمل تحصيله. وهذا الوضع الذي قد يُزعج السلطة يُريح اللبنانيين القلِقين من تكبير حجم الدين العام وتنفيذ مشاريع قد يتبيّن لاحقاً أنها غير مجدية، على عكس ما صوّرتها الحكومة. كذلك، ساد ارتياح شعبي بعد تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري انّ كلّ قرضٍ يحصل عليه لبنان يجب ان يمرّ في المجلس النيابي للموافقة عليه، بما يعني وجود رقابة نيابية من شأنها كبحُ جماح الشطحات، والمغامرات بالاموال العامة.
جابر
وقال النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية»: «قد يكون مؤتمر «سيدر» فرصةً إذا عرفنا كيف نغتنمها، وكيف نرضخ للإصلاح الحقيقي، وعدم إضاعتِها مثلما أضَعنا «باريس 1 و2 و3».
وإذ أشار جابر إلى أنّ مبالغ قروض البنك الدولي والاتحاد الأوروبي «أصبحت معروفة»، اعتبر «أنّ القطبة المخفية تبقى في موقف دولِ الخليج المشاركة في المؤتمر، علماً أنّ همساً يدور حول مفاجأة سعودية وإماراتية وكويتية». ولفتَ الى «أنّ بين يدي لبنان قوانين قروض أقرّها مجلس النواب بقيمة نحو 3 مليارات من الدولارات لا نقدِر على تنفيذها بسبب كلفة الاستملاكات. فإذا وصَل مبلغ نقدي خليجي تبدأ العجَلة في الدوران».
ولفتَ الى «أنّ مؤتمر «سيدر» ركّز على البنى التحتية، وكنتُ أتمنّى لو أخذت الحكومة بالاقتراح الذي تقدّمتُ به والقاضي بالمطالبة بإنشاء صندوق خاص لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وتوفير قروض إسكان لذوي الدخل المحدود والمتوسط وبفوائد مخفوضة، على ان يتمّ التعاون مع القطاع المصرفي. فلو أدرجت ما اقترحته في خطتها المقدّمة الى المؤتمر لانعكسَ ذلك مباشرةً على الاقتصاد أكثر من الاتكال على مشاريع البنى التحتية فقط».
الفصح الشرقي
وتخرق عطلة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي، الصخبَ السياسي في البلاد. وقد احتشَد المؤمنون في المناطق كافة للمشاركة في يوم الخميس العظيم بخدمة أناجيل الآلام المقدّسة. وترَأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الصلوات في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة. على ان يقيم اليوم خدمة جناز المسيح في الكاتدرئية، فيجتمع المؤمنون وراء نعشِ المصلوب.
كذلك يترَأس قداس «سبت النور» صباح غدٍ السبت في كنيسة القديس جاورجيوس ــ الرميل. ويستقبل شعلة النور المقدّس بعد ان تصل إلى مطار بيروت الدولي عند الثامنة مساءً وتنتقل الى الكاتدرائية. ويحتفل عودة صباح الأحد بقدّاس الفصح في الكاتدرائية بعد خدمة «الهجمة»، وبيوم «إثنين الباعوث» في كنيسة القديس نيقولاوس في الأشرفية.