ينظر متابعون للشأن العراقي إلى رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، كأحد أكبر المرشّحين لخلافة نفسه على رأس الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات النيابية المقرّرة لشهر مايو القادم.
وتنبني هذه النظرة على أساس منطقي يأخذ في الاعتبار النجاحات الجزئية التي حقّقها العبادي خلال قيادته للحكومة في إحدى أشدّ المراحل صعوبة، وهي مرحلة الحرب على تنظيم داعش، حيث حقّق أبرز نجاحاته بإعادة ترميم القوات المسلّحة، وتحقيق انتصار عسكري على التنظيم.
غير أنّ هذا التقييم النظري لحظوظ العبادي في الفوز بولاية ثانية لا يبدو متطابقا مع الواقع، إن لم يكن مخالفا له بشكل كامل.
فالرجل الذي هو جزء من «عائلة» سياسية شيعية واسعة، سيواجه منافسة شرسة من داخل العائلة نفسها، ومن قبل أطراف تشاركه إنجاز النصر العسكري على داعش، لكنّها تتفوّق عليه في نقطة مفصلية تتمثّل في القرب من إيران وكسب ثقتها.
ولا تزال إيران لاعبا أساسيا على الساحة العراقية ولها أذرع قوية وحرّاس أشدّاء لنفوذها يجمعون بين سلطة الدين والمال والسياسة والسلاح.
وبعض هؤلاء ليسوا سوى كبار قادة الميليشيات الشيعية التي شاركت بفاعلية في الحرب على تنظيم داعش في إطار جسم شبه عسكري كبير وقوي تشكّل على أسس دينية طائفية بناء على فتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني، وعرف بالحشد الشعبي وتألف في غالبيته العظمى من عشرات الميليشيات ذات الصلة القوية بإيران.
ولم يحدث أنّ أظهر حيدر العبادي طيلة السنوات الأربع الماضية التي قضاها على رأس الحكومة العراقية، مواقف مناهضة لإيران، أو داعية بشكل صريح لتقليص نفوذها في بلاده.
لكن مواقفه التي توصف بـ»المعتدلة» إزاء دول الجوار العربي ومساعيه لترميم العلاقات معها بعد أن بلغت درجة كبيرة من الفتور، بدت كافية لتراجع ثقة إيران فيه، وبالتالي عملها على منع حصوله على ولاية ثانية.
زلماي خليل زاد: طهران تهندس الانتخابات العراقية لمصلحة ميليشياتها
زلماي خليل زاد: طهران تهندس الانتخابات العراقية لمصلحة ميليشياتها
وبحسب مراقبين، باتت طهران الآن أحرص من أي وقت مضى على ضمان وجود طبقة حاكمة في العراق، موالية لها بالكامل، مع ظهور رغبات من دول عربية تقودها المملكة العربية السعودية، في العودة إلى الساحة العراقية ومحاولة استعادة البلد إلى الصفّ العربي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات بدأ اسم زعيم ميليشيا بدر الشيعية، هادي العامري، يزداد تداولا على الساحة كأحد أبرز من تنطبق عليهم «المواصفات الإيرانية» المطلوبة لحكّام العراق في مرحلة ما بعد تنظيم داعش.
فالرجل الذي قضى فترة من شبابه مقاتلا إلى جانب إيران ضد بلده العراق في حرب الثماني سنوات، يعتبر اليوم من صقور العداء للمملكة العربية السعودية، ويتمتّع بنفوذ كبير تقوم على حمايته وتأمينه الميليشيا التي يقودها والتي تعتبر أقوى الميليشيات الشيعية في العراق تنظيما وتسليحا.
ولا تخطئ عينُ المتابع للشأن العراقي ملامح حملة مبكّرة استبقت الحملة الانتخابية التي تنطلق رسميا في الرابع عشر من الشهر الجاري، يشنّها الإعلام الموالي لإيران داخل العراق وخارجه، وتهدف إلى تلميع صورة العامري وتقديمه في هيئة رجل الدولة والأنسب لقيادة المرحلة، في مقابل تشويه صورة العبادي وتصويره في هيئة «الضعيف» والمستجيب للضغوط الداخلية والخارجية.
وفي أحدث ظهور تلفزيوني للعامري على قناة فضائية عربية معروفة بخطّها الموالي لإيران وحزب الله اللبناني، أُفسح المجال للعامري من خلال جملة من الأسئلة الموجّهة والمدروسة لتقديم نفسه في هيئة رجل الدولة القويّ والحازم.
ولمعرفة العامري الدقيقة بما يمثّله سلاح الميليشيات من ضغط على المجتمع العراقي، وما يسببه من قلق لدى العراقيين على أمنهم بعد معاناتهم من الحروب والصراعات على مدى عقود طويلة، قال زعيم بدر إنّ الحشد الشعبي المتقدّم بقيادته للانتخابات ضمن قائمة «الفتح» هو الأقدر على ضبط فوضى السلاح وحصره بيد الدولة.
ورأت أوساط عراقية في كلام العامري تهديدا مبطّنا خلاصته «إمّا نحن أو فوضى السلاح».
واتضحت ملامح الحملة ضدّ العبادي، حين استضافت القناة نفسها، سياسيا سنّيا هذه المرّة للهجوم على العبادي واتهامه بضمّ الفاسدين إلى فريقه الحكومي وإقصاء دعاة الإصلاح.
وقال مشعان الجبوري، النائب بالبرلمان العراق، والمرشّح للانتخابات القادمة، إنّ العبادي قاد بالفعل النصر على تنظيم داعش، لكنّه يستحق الحصول على علامة صفر في ما بقي من «الاختبارات».
ولم يغفل ذات النائب الثناء على العامري وتصديق قوله بشأن القدرة على ضبط فوضى السلاح. وتعليقا على ذلك، قال نائب سابق بالبرلمان العراقي «حملة إيران لتسقيط حيدر العبادي بدأت بالفعل». ومساعي إيران لإسقاط العبادي والدفع بموالين لها، قناعة تتجاوز حدود العراق نفسه ويعبّر عنها أشخاص ذوو خبرة بالملف العراقي.
وقال زلماي خليل زاد، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، إن إيران تريد التأثير على الانتخابات العراقية القادمة وهندستها لصالح ميليشياتها.
وأكّد في مقال له نشره بصحيفة «وول ستريت جورنال» بعنوان «حدّوا من نفوذ إيران في العراق»،إنّ إيران تعمل بجد للتأثير على نتائج تلك الانتخابات حيث تسعى إلى تعزيز نفوذ ميليشياتها داخل الحكومة العراقية، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني.
وأضاف»كما تريد إيران الحفاظ على الانقسامات الطائفية والعرقية والسياسية لمنع عودة العراق من جديد كقوة مستقلة ومستقرة».
ورأى زاد في مقاله أن إيران تعتبر الولايات المتحدة العقبة الرئيسية أمام مخططها وتتطلع إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق، مقدّما أربعة مقترحات لحكومة دونالد ترامب لإبطال التأثير الإيراني على مستقبل العملية السياسية في العراق، وهي دعم الأحزاب والأطراف العراقية التي تعارض إيران والتي لها هدف مشترك مع الولايات المتحدة في منع النفوذ الإيراني، وتعلّم الدروس من قيام إدارة باراك أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق والعمل على استمرار الوجود العسكري هناك، ثم دعم واشنطن، بغض النظر عن نتائج الانتخابات المرتقبة، وتشكيل حكومة عراقية جديدة، وعدم السماح لإيران بالتأثير على تشكيل هذه الحكومة، وأخيرا دعم الأحزاب والحلفاء والشركاء الموالين للولايات المتحدة في العراق بشكل رسمي.