شكّلت مناسبة افتتاح جادة الملك سلمان بن عبد العزيز، في بيروت، مناسبة لتثبيت العودة السعودية القوية إلى لبنان. تجلّى ذلك في اللقاءات التي عقدت على هامش الاحتفال في المناسبة، وتحديداً على هامش العشاء الذي أقامته السفارة السعودية في فندق فينيسا. حضور الدبلوماسي السعودي نزار العلولا المكلف بإدارة الملف اللبناني بعد الوزير ثامر السبهان، حمل مؤشرات كثيرة، بأن زيارته لا تقتصر على البروتوكول، بل هناك معنى وهدف سياسي لها. وهو ما تم التعبير عنه في الخلوة التي عقدها العلولا مع كل من الرئيس سعد الحريري، الدكتور سمير جعجع، والنائب وليد جنبلاط.
أصرّت السعودية على حضور الشخصيات الثلاثة والذين تربطهم بها علاقة تحالفية قديمة. تريد لهذا الحضور إضفاء أهمية سياسية على الحدث، وعقد مصالحات في ما بينهم بسبب كل الندوب التي تصيب علاقاتهم نتيجة التحالفات الانتخابية وما نتج عنها. وقد سعت السعودية إلى عقد لقاء بين الحريري وجعجع، ولكن أياً من الرجلين تنازل للذهاب في اتجاه الآخر، فأريد لهذه المناسبة أن تكون سبباً لكسر الجليد في ما بينهما، فجرت المصافحة الأولى بينهما بعد قطيعة، لتأتي الخلوة كعامل مساهم لإعادة إحياء النقاش السياسي المباشر بين الرجلين، بعدما كان التواصل يتم عبر موفدين.
للخلوة كما للعشاء، إشارات يمكن التقاطها في الشكل. إذ كانت الجلسة لافتة لجهة كيفية التعاطي مع الأشخاص الثلاثة، في جلوسهم إلى طاولة العشاء، بحيث حرصت السعودية على إبداء الاهتمام بهم بالقدر نفسه، وكذلك جرى التقصد في جمع جعجع والحريري قبيل الخلوة، لكسر الجليد، وإعادة إحياء النقاش في ما بينهما. وبالانتقال إلى الخلوة، فقد جرى البحث في مرحلة ما بعد الانتخابات والتحالفات، واعتبار أن ما كتب قد كتب في الانتخابات النيابية، مع أهمية التركيز على المرحلة المقبلة، ووجوب تخطي الشوائب التي تسبب بها سعد الحريري في العلاقة مع كل من جعجع وجنبلاط من الناحية التحالفية.
وقد جرى الاتفاق، وفق مصادر متابعة لمجريات الخلوة، على خوض الانتخابات النيابية وفق التحالفات الحالية، ووفق ما تقتضيه مصلحة كل طرف في ضوء التحالفات التي نسجت، ولكن الأساس سيكون لمرحلة ما بعد الانتخابات، بحيث سيتم التحضير لمرحلة أخرى، وهي ضرورة الاجتماع على القضايا الكبرى في البلد، وليس بالضرورة أن يتم ذلك عبر إعادة احياء تحالف قوى 14 آذار، لأن هناك إمكانية لضم أفرقاء آخرين إلى هذا التعاون السياسي المقبل، والذي سيرتكز على التلاقي على عناوين أساسية، تبدأ بتشكيل الحكومة وصوغ البيان الوزاري، والاتفاق على وجهتها السياسية، بالإضافة إلى تحديد كيفية العلاقة مع حزب الله.
وهذا سيكون مرتبطاً بتطورات الوضع الدولي والإقليمي. إذ تلفت المصادر إلى أن الخلوة بحثت في أوضاع المنطقة، وتحديداً الوضع السوري. فكان المدخل للبحث في هذا الملف، هو تطورات الوضع السوري، والتي تحتم تحصين لبنان وحماية أمنه واستقراره، تحسباً لأي تداعيات قد تحصل في المرحلة المقبلة، إذ إن المنطقة تذهب نحو التصعيد. بالتالي، لا يمكن التخلي عن مبدأ قيام الدولة، وهي الدولة القوية التي لا تتخلى عن سيادتها لمصلحة حزب الله أو مسايرته. بالإضافة إلى ضرورة مكافحة الفساد، لاسيما مع محاولة حزب الله التسلل إلى هذه المهمة. وتعتبر السعودية أن خلف هذه الخطوة مخططاً جديداً للحزب لبقائه متسلّماً زمام الأمور في لبنان، وما يشكّل سيفاً بيده على رقاب كثير من الأفرقاء السياسيين، الذين سيخضعون للابتزاز عبر هذه الملفات. وبالتالي سيستدرجهم الحزب إلى تنفيذ ما يريده من سياسات وتغطيته في ما يريد فعله.
وقد قدم المسؤول السعودي وعوداً للبنان بشأن زيادة منسوب الدعم والمساعدات، ولكن بشرط التزام لبنان بالنأي بالنفس، وعدم الاستمرار في سياسة الخضوع لحزب الله وإيران، لأن المرحلة المقبلة ستحمل كثيراً من المتغيرات التي تتعلق بمواجهة إيران في المنطقة، وعلى اللبنانيين مواكبة ذلك بتحصين أنفسهم من أي محاولة سيقوم بها الحزب ويتحصّن عبرها خلف الدولة اللبنانية. عنوان المرحلة المقبلة سيكون الفصل بين حزب الله والدولة، ولكنه سيكون مرتبطاً بالوجهة الدولية بشأن الوضع في المنطقة وتحديداً في سوريا.