لا تزال سوريا تشكل المنطقة الأكثر تعقيدًا وسخونة في العالم في الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في الجانب الدولي وبين السعودية وايران وتركيا في جانبه الاقليمي مع الاخذ بعين الإعتبار حماية حدود الدولة العبرية الفاصلة بين سوريا واسرائيل.
ولا زال الحل السياسي للأزمة السورية عصي على المجتمع الدولي ومنظماته العالمية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وبقيت الدبلوماسية الأوروبية عاجزة عن تقريب وجهات النظر بين الدول المعنية بالشأن السوري والطامحة بإيجاد موطىء قدم لها في هذه الدولة التي مزقتها الحروب الأهلية بين النظام السوري وحلفائه الداعمين له سياسيا وعسكريا من جهة وبين المجموعات المعارضة المشتتة ايديولوجيًا وفكريًا وسياسيًا المدعومة من دول الخارج من جهة أخرى.
إقرأ أيضًا: تحالفات الحزب بعد الإنتخابات
وفي السياقات المتصلة بالوضع السوري إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب القوات الأميركية من سوريا في وقت قريب جدًا، وقرر تجميد الأموال التي كانت بلاده خصصتها لإعادة إعمار المناطق السورية الواقعة شرقي الفرات بذريعة أن القوات الأميركية أدت مهمتها بالقضاء على الجماعات الإرهابية، مخيبًا بذلك أمل الذين راهنوا على واشنطن بدعمهم، توصلا إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
ومن الطبيعي أن إعلان الرئيس الأميركي أدى إلى بروز طموح لدى إيران وتركيا لحصد المزيد من المكاسب، إلا أن بعض الخبراء المعنيين بالشأن السوري يستبعدون هذا الأمر، سيما وأن القوات الأميركية وبالتعاون مع الاكراد تسيطر على ما يقارب من الثلاثين بالمائة من الجغرافيا السورية وتضع يدها على ما نسبته 95 بالمئة من مصادر الطاقة فيها، وهذا يعني أن واشنطن لا تطمح لتحقيق أي مكاسب ميدانية أكبر من ذلك في ظل الوضع الحالي، وبالتالي فإن أي انسحاب أميركي متسرع ومفاجىء سيفسح بالمجال إلى بروز داعش من جديد. خصوصًا إذا ما قرر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تحقيق وعوده بالتمدد شرقي الفرات وصولا إلى الحدود العراقية مرورًا بالقامشلي.
وفي جانب متصل فإن اللقاء الذي يجمع زعماء الدول الثلاث إيران وتركيا وروسيا في إسطنبول يهدف الى رسم صورة جديدة للواقع السوري ولتوزيع مناطق النفوذ بعدما أثبتت سياسة التبادل الميداني التي اعتمدتها الدول الثلاث في الغوطة الشرقية وعفرين نجاحا ملحوظا في خلق أجواء يصبح فيها الجميع رابحين. ولتوسيع شقة الخلاف التركي الأميركي وتعزيز الشرخ بينهما.
إقرأ أيضًا: حالة الغليان في المنطقة لا تعني الحرب
وفي هذه القمة التي سيحضرها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ونظيره الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتم وضع الأسس التي سيناقشها الرئيس بوتين مع الرئيس الأميركي ترامب في قمة منفصلة تم الإتفاق عليها بين الجانبين الأميركي والروسي ولكن لم يتم تحديد موعدها بعد.
ويسعى الرؤساء الثلاث في قمة اسطنبول من خلال التنسيق بينهم إلى تقويض مسار جنيف الذي يرتكز على القرار الدولي رقم 2254 والذي يهدف إلى استبعاد الرئيس السوري بشار الأسد من أي عملية سياسية محتملة لحل الأزمة السورية. وكذلك يعمل هؤلاء الرؤساء إلى تأجيل أي دور سياسي غربي وتحديدًا أميركي في الأزمة إلى مرحلة التوصل إلى الحل النهائي.
ويبدو واضحًا أن اهتمام كل طرف من الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع السوري منصبا وأكثر من أي شيء آخر لبسط السيطرة على اكبر مساحة ممكنة للنفوذ.
وعليه فإنه في بلد غاية في التعقيد كسوريا، فمن المستبعد أن يتمكن أي طرف من السيطرة بشكل جيد على الوضع في الميدان، ومن غير المتوقع أن يتم التوصل إلى نتائج ملموسة من خلال قمة اسطنبول وسوريا لا زالت في عنق الزجاجة.