يقارن عونيون مسار 13 عاماً من رحلتهم السياسية بعد عودة العماد ميشال عون من منفاه الباريسي. أمور كثيرة تغيّرت، في الجوهر، في الرؤية، في التوجهات السياسية، وأخيراً في التحالفات، وفق القانون الانتخابي الجديد. ينتقد هؤلاء العونيين النسخة الجديدة من التيار والتي يفضّلون وسمها بـ"الباسيلية"، إذ تختلف كل الاختلاف عن عونيتهم، من ثبات على المبادئ، وتغليب الثوابت على البراغماتية والمصالح. وبين هؤلاء من غادر التيار احتجاجاً على بعض الممارسات، ومنهم من ما زال عاملاً في الحزب ولكنه يعترض على الأداء ويفصلون ما بين المرحلة السابقة والحالية.
الفارق كبير، بالنسبة إليهم، بين العام 2005 واليوم. سنة عودة عون من المنفى، مراكماً تجربة شخصية اعتراضية، وهالة سياسية سبّاقة في مواجهة الوجود السوري في لبنان، منحته تمثيلاً واسعاً عند غير العونيين، فـ"اجتاح" مجلس النواب بأكبر كتلة مسيحية. كان ذلك قبل ذهابه في خيارات سياسية متغيرة جذرياً. حتى في ذهابه إلى وثيقة التفاهم مع (حزب الله) احتفظ عون بشعبيته وبما يمثّله، وعزز موقعه وقوته، مقدّماً نموذجاً جديداً يخرج من "تعليب" الماضي، وينفتح على الآخرين. حقق مجدداً انتصاراً مدوياً في العام 2009، وإن كان ذلك وفق حسابات مختلفة جذرياً عن حسابات العام 2005.
يعتزّ العونيون بتيارهم "القوي"، يوم كان قوياً بذاته ومرتكزاً على ثوابته، بخلاف التحول الذي حصل فيما بعد. وقد تغيّر جذرياً مجدداً مع انتقال رئاسته إلى الوزير جبران باسيل، الذي استبعد كثيرين من المناضلين لأسباب مختلفة، أولها حسابات داخلية إذ مثلو هؤلاء حالات اعتراض على ترؤسه التيار، وثانيها حسابات مصلحية، إذ يتهم هؤلاء تحويل باسيل التيار من تيار للمناضلين إلى تجمع لأصحاب رؤوس الأموال. وهذا ما يعتبرون أنه انعكس هشاشة في تشكيل اللوائح الانتخابية للتيار في هذه الانتخابات. ويعتبرون أن هناك ابتعاداً كبيراً عن الوضوح في مخاطبة الجمهور، وخروجاً عن مبدئية المواقف.
يجري الممتعضون جولة سريعة على التحالفات التي نسجها التيار، ويخلصون إلى أنها بنيت على حساب العونيين الأساسيين والأقوياء في دوائرهم. وأكثر من ذلك، يعتبرون أن الحزبيين تحولوا إلى درجة ثانية، في عملية تأليف اللوائح. ما أثار مزيداً من النقمة والاعتراض. ويعبرون عن خشيتهم من تفاقم هذه الحالات الاعتراضية وانعكاسها على الماكينات الانتخابية، لجهة عدم القدرة على ضبط توزيع الأصوات التفضيلية. ما سيؤدي إلى خلل في النتائج المرسومة أو المتوقعة.
ينتقد هؤلاء تشكيل اللوائح، واستعانة باسيل بقوى وازنة لها تأثير في مختلف الدوائر، لكنها بعيدة كل البعد عن الوئام السياسي مع الخطّ التاريخي للتيار. ويعتبرون أن باسيل ارتكز في تحالفاته على رجال الأعمال الذين لا قواسم مشتركة بينهم، وأن ذلك سينعكس في منافسات حادة ستظهر إلى العلن في الأيام المقبلة، وما سيكون على حساب مرشحي التيار الأصيلين.
للابتعاد عن الثوابت شواهد كثيرة، أبرزها التحالف مع "أعداء الأمس"، ومن شيطنهم التيار، كمنصور غانم البون ونعمة افرام في كسروان، سركيس سركيس في المتن، ميشال معوض في زغرتا، نقولا غصن في الكورة، رياض رحال في عكار، وغيرهم. والطامة الكبرى بالنسبة إلى هؤلاء، تكمن في التحالف مع الجماعة الإسلامية، لما بينها وبين التيار من صولات وجولات في استباحة الكرامات وتبادل الاتهامات، وخصوصاً بوجود رأس الحربة في هذه المواجهة على تماس مباشر مع الجماعة، وهو النائب زياد أسود.
يبدي هؤلاء أسفهم لما وصلت إليه الأمور، لكنهم يقولون: "هناك إمكانية للتغاضي عن كل الاحتجاجات لدى قواعد التيار، ويمكن تجاوز الخلافات بين المرشحين والمنافسة الحادة بينهم. كذلك بالامكان مجانبة التعليق على الاتجاهات المتعاكسة داخل اللوائح، لكن ما لا يمكن التغاضي عنه، هو تحوّل مرشحي التيار إلى الأضعف في هذه اللوائح، خصوصاً أن هناك تخوفاً من انفضاض بعض الحلفاء عن التيار أو التكتل بعد فوزهم، كميشال معوض مثلاً الذي قد ينتهز اللحظة المناسبة لفضّ هذا التحالف. المفارقة ستكون واضحة حينها، التيار سيعلن أنه أسهم في إيصال هؤلاء إلى البرلمان، لكن الحقيقة بالنسبة إلى المعترضين، هي أن هؤلاء كانوا قادرين على النجاح وفق هذا القانون، ولذلك ارتأى التيار التحالف معم كي لا يتعرّض لخروق، ولذلك تحوّل التيار إلى وسيلة نقل لهم من مناطقهم إلى ساحة النجمة.