مؤتمر «سيدر» لدعم لبنان ينعقد بعد يومين في باريس بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتعبئة الدعم الدولي للبنان ولإظهار أن فرنسا والأسرة الدولية متمسكة ببقائه مستقراً وآمناً، ومساعدته في تحمل عبء اللاجئين فيه.
جمعت فرنسا بجهود رئيسها ووزير خارجيته جان إيف لودريان أكثر من ٥٠ وفداً عالمياً سيدرسون يوم الجمعة التزامات للاستثمار في مشاريع البنية التحتية في لبنان. الكل في لبنان يتكهن بأرقام تتراوح بين ٤ و٥ بلايين دولار. إلا أن المؤتمر كما وصفه السفير الفرنسي بيار دوكان، وهو المسوؤل عن ترتيبه، مسار وليس مؤتمر مانحين. فأرقام الاستثمارات وتنفيذها تثبت عندما تقوم الحكومة اللبنانية ما بعد الانتخابات بإصلاح فعلي في قطاعات اقتصادية لم تر أي إصلاح من الكهرباء إلى الماء إلى غيرهما من القطاعات الحيوية.
تشكيك اللبنانيين إجمالاً في نتائج هذا المؤتمر يأتي من عدم الثقة في طبقتهم السياسية التي فشلت حتى الآن في حل مشكلات أساسية في حياتهم اليومية من التيار الكهربائي والبيئة التي تضمن صحة وعافية الشعب الذي ما زال يعاني في شكل كبير من النفايات وتلوث البحر. فالشاطئ اللبناني كان في إمكانه أن يمثل ثروة سياحية على نمط ما نراه في المياه اليونانية والتركية والقبرصية في حين أن السباحة وصيد الأسماك في لبنان مجازفة صحية. والتشكيك في نتائج هذا المسار لدفع الاستثمارات شرعي. فلن يصرف أحد أموالاً كبيرة من دون تحديث وإصلاح قطاعات الاقتصاد الحيوية في لبنان.
ومشكور الرئيس ماكرون الذي يحث الدول الغربية والعربية وأعضاء مجلس الأمن وحيداً على مساعدة لبنان ودعمه. ماكرون يثق في رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي هو كما والده الرئيس رفيق الحريري حليف تقليدي لفرنسا، والآن أثبتت علاقة ماكرون والحريري وزيارة الرئيس اللبناني ميشيل عون فرنسا أن الرئيس الفرنسي الشاب يريد بقوة دعم البلد. لكن كما قال يوماً جون كينيدي لا تسألوا ما الذي يمكن أن يفعله بلدكم لكم بل ماذا يمكن أن تفعلوا لبلدكم.
وهذا ينطبق على الشعب اللبناني على أن يتحرك بحزم لمساءلة سياسييه، خصوصاً من خلال الانتخابات المتوقعة أن تكون مخيبة للآمال من ناحية القانون والمرشحين إجمالاً. كما ينطبق على الطبقة السياسية التي ينبغي ألا تنظر إلى بلدها كبقرة حلوب تستفيد منها.
هناك انطباع سائد في لبنان أن الأوضاع كارثة والفساد باق والتدهور مستمر كأن اللبنانيين مستسلمين لمثل هذه الأوضاع في حين أن في لبنان أفراداً وقدرات وإمكانات وكفاءات من رجال ونساء يعطون الأمل بالنهوض والخروج من محنته. وتم تسريب تسجيل يدعي أنه خبير من صندوق النقد الدولي يقول أن صندوق النقد منذ 1999 قدم توصياته لما ينبغي أن تقوم به الحكومات اللبنانية من إصلاحات إدارية، والتي ينبغي اتخاذها إذا أراد لبنان تخفيض نسبة دينه بالنسبة إلى نسب بلدان أخرى. ويقول أن لبنان يعاني من سرطان لا دواء له وهو غياب إدارة جيدة نتج من فساد لا مثيل له إلا في بستوانا وهو عمل في 20 دولة أفريقية. ورأى أن ليس هناك أي منطق لبلد مثل لبنان على رغم مستواه التعليمي الجيد وقدراته، أنه لم يقم بإصلاحات إدارية في الكهرباء والنفايات وغيرها. وانتقد الخبير عدد الوزراء في لبنان الذي يبلغ 30 وزيراً في حين أن لدى روسيا تسعة وزراء فقط. فهناك حقائق كثيرة يقولها إذا صح أنه تسجيل فعلاً من مسوؤل في صندوق النقد الدولي. لكن، على رغم هذه الحقائق هناك من يثق في لبنان وفي المسار الذي باشره ماكرون لمساعدة لبنان مبادرة مهمة تطلق بعض التفاؤل. فديناميكية الرئيس الفرنسي وتحركه وتعبئته لدفع الدعم إلى لبنان ينبغي أن يوازيها عمل لبناني فعلي للإصلاح وإلا هي الفرصة الأخيرة لهذا البلد أن ينهض. وعلى الرئيس الحريري الذي حصل على ثقة ماكرون وصداقته ألا يخذله ويخذل اللبنانيين الذين يثقون فيه، وأن يعمل بجهد لتنفيذ الالتزامات بالقيام بالإصلاحات المطلوبة بأسرع وقت لأن لبنان لم يعد يتحمل وعوداً من دون تطبيقها.