تلقى لبنان رسائل دبلوماسية ضاغطة عليه بسبب عزمه إبرام صفقة أسلحة مع روسيا. منذ فترة، كان من المفترض أن تبتّ الحكومة اللبنانية مسألة المضي في توقيع الإتفاقية العسكرية مع روسيا، والتي جرى التوافق عليها خلال زيارة الرئيس سعد الحريري إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أشهر. لكن، يبدو أن المواقف الدولية ترفض دخول روسيا على خط تسليح الجيش اللبناني، لأن هذه الإتفاقية تعني تمدد روسيا في اتجاه لبنان، وتوسيع نظاق نفوذها خارج سوريا. وهذا ما يتحفّظ عليه الأميركيون. سابقاً، تم تأجيل توقيع الإتفاقية إلى حين عقد مؤتمر روما لدعم المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية اللبنانية. والآن، في حين تتجدد المساعي، ازداد منسوب الرسائل التحذيرية للبنان من المضي في هذه الخطوة. لذلك، طلب وزير الدفاع يعقوب الصراف تأجيل بحث هذا البند في مجلس الوزراء.
من بين الرسائل الكثيرة التي نُقلت إلى لبنان، هناك تهديدات من الدول المانحة بشأن وقف مساعداتها والأسلحة التي تمنحها للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، إذا ما تم توقيع الإتفاقية مع روسيا. يرتكز الموقف الغربي على اعتراض ذهاب حليف له، وهو لبنان، إلى طلب الأسلحة من روسيا، والإرتكاز عليها في تعزيز قدرات مؤسساته، فيما روسيا تتعرض لعقوبات غربية ولمواقف اعتراضية على سياستها الدولية والإقليمية. كما أن هناك اجماعاً دولياً على إدانة التصرفات الروسية التي تطيح بكل الاتفاقات الدولية وبقرارات مجلس الأمن.
نقطة قوة الدول الرافضة وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، هي أنها تقدّم الأسلحة للبنان على شكل هبات ومساعدات، فيما روسيا تريد تقديم السلاح للبنان لقاء مبالغ ولكن على شكل قروض ميسرة. وهذا الأمر يدفع الأميركيين إلى سبب استغراب موافقة اللبنانيين على دفع الأموال للحصول على الأسلحة الروسية، فيما هم يحصلون على أسلحة أميركية مجاناً. هذه التساؤلات الأميركية تتشعبّ كثيراً، إذ لا ترتبط بإثارة الشكوك بشأن فساد أو ما شابه، بل تعتبر أن هناك اهدافاً اخرى للتقارب اللبناني مع الروس. وقد يضع البعض ذلك في سياق التقارب اللبناني مع روسيا، لضمان حصص في مرحلة إعادة إعمار سوريا في المرحلة المقبلة. لكن لا شك أن هكذا خيار سيؤدي إلى خسارة الأجهزة اللبنانية كثيراً من المساعدات التي تحصل عليها.
ويبدو أن أساس الاعتراض الغربي على الاتفاقية بين لبنان وروسيا، ليس بسبب حصول لبنان على أنواع من الأسلحة، إنما لأسباب استراتيجية تتعلق بالسياسة الروسية في المنطقة. ويظهر ذلك في أحد بنود الإتفاقية اللبنانية الروسية للتعاون العسكري، والتي وقعت خلال زيارة رئيس الحكومة إلى موسكو. ويتحدث هذا البند عن "فتح الموانئ اللبنانية أمام السفن والأساطيل العسكرية الروسية، بالإضافة إلى جعل المطارات اللبنانية محطة عبور للطائرات والمقاتلات الروسية، وإرسال خبراء عسكريين روس لتدريب وتعزيز قدرات أفراد الجيش اللبناني". هذا الكلام يعني تحولاً استراتيجياً لمصلحة روسيا في المنطقة، إذ بعد إنشائها القاعدة العسكرية في حميميم، وضمانها منفذاّ على البحر المتوسط، ها هي تفكّر في توسيع هذا النفوذ، ليشمل منفذاً آخر على المتوسط في لبنان، ودخول القوات الروسية إلى لبنان تحت شعار تعزيز قدرات الجيش اللبناني.
ويتلخّص الموقف الغربي المعترض على هذه الاتفاقية، باعتبار دخول لبنان فيها، قد عمل على الإنقلاب على ثوابته وعلى حلفائه الذين زوّدوه خلال سنوات بالأسلحة، مقابل الاصطفاف الرسمي إلى جانب المحور الروسي والإيراني في المنطقة. ما يعني أنه سيضعه تحت مجهر إجراءات عقابية دولية هذه المرّة، لا تقتصر على وقف تزويده بالعتاد والأسلحة.