إذا كانت الانتخابات اللبنانيّة المُزمع إجراؤها في 6 أيّار (مايو) المقبل لا تقدّم ولا تؤخّر، فما الذي قد يقدّم ويؤخّر؟
من دون التصدّي لهذا السؤال، يبقى كلّ كلام عن المقاطعة ناقصاً وانفعاليّاً، ويبقى بعيداً من امتلاك أيّ تصوّر، مهما كان نظريّاً، لأيّ مستقبل.
لقد ربط «حزب الله» الوضع الداخليّ للبنان ربطاً محكماً بالوضع الخارجيّ، وبلغ الربط حدّ محو الداخل بالكامل. جاء هذا تكراراً موسّعاً ما سبق أن شهدناه إبّان وجود السلاح الفلسطينيّ في لبنان، ما بين أواخر الستينات وأوائل الثمانينات، والذي استدعى «حلولاً» خارجيّة إسرائيليّة وسوريّة متلاحقة عرفنا باللحم آثارها التدميريّة.
اليوم، لا يبدو «حزب الله» أقوى من الدولة أضعافاً مضاعفة فحسب. إنّه، فوق هذا، من أذرع الأخطبوط الإقليميّ ذي الرأس الإيرانيّ. إنّه، من موقعه هذا، يقرّر الحرب والسلام خارج حدود لبنان، في معزل عن كلّ ما قد تسفر عنه الانتخابات والإرادة الشعبيّة وأيّة حياة سياسيّة.
معنى ذلك أنّ أيّ تصوّر لعلاج الوضع اللبنانيّ لا بدّ أن يأتي ربطاً بالمنطقة ومساراتها، أي مع وضع المنطقة هذه على طاولة تفاوض، حيث تُرسم الخرائط أو يعاد رسمها، أو مع انهيارٍ ما قد يصيب الوضع الإيرانيّ الضامن استمرار أمورنا الكارثيّة، أو - وهذا هو الأسوأ - مع نزاع حربيّ مفتوح قد يخلط الأوراق والمعادلات.
بالطبع، لا يبدو شيء من هذا في الأفق، بل يبدو المحور الإيرانيّ في حالة هجوم يقابله انكفاء وتراجع أميركيّان قد تجد إسرائيل ما يغريها في ملء فراغاته بطريقتها الرعناء. هنا، تتكامل اللوحة البائسة التي ترسم أحوالنا: امّحاء الداخل وامتناع الخارج في وقت واحد. مناخ الثورة المضادّة الذي أعقب انهيار الثورة السوريّة يضيف لوناً كثيف السواد إلى تلك اللوحة.
لكنّ هذا ليس أبديّاً بالضرورة. ونعرف كم تقلّبت أحوال المنطقة في العقود القليلة الماضية، وكم انقلب أقوياؤها ضعفاء وضعفاؤها أقوياء.
تفكير كهذا يمنح الأولويّة للتغيير للخارجيّ، أقلّه من حيث المبدأ، هو ما لا ينبغي أن يعيقه «وعي قوميّ» كائناً ما كان الشكل الذي يرتديه والمكابرات المعهودة التي ينطوي عليها.
فإذا تسنّى أن يظهر تغيير ما، تغييرٌ كهذا، بات على الراغبين في خلاص لبنانيّ، وفي خلاص للمنطقة، أن يلاقوه بتوفير الأدوات التي تستقبله وتُحسن توظيفه. وهذا، حتّى إشعار آخر، غائب. وللأسف، فإنّ غيابه لا يزال يفوق الغياب الحاليّ للعنصر الخارجيّ.