تفجّرت أزمة الثقة مجدداً بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل. تتخذ الأزمة طابعاً شخصياً على خلفية ما حصل في البقاع الغربي، باعتبار أن النائب وليد جنبلاط تدخل شخصياً لحلّ مسألة ترشيح النائب أنطوان سعد، إلا أن المستقبل تراجع عن الاتفاق. ما أغضب جنبلاط. إقفال اللوائح لم يعد يسمح بإجراء تعديلات على اللائحة، فحكم الظرف بقاء النائب وائل أبو فاعور على لائحة المستقبل وتشكيل لائحة أخرى. وهناك اعتبارات تحالفية وسياسية، بين الطرفين لم يرد لها أن تتأثر. تمتد أزمة الثقة إلى العلاقة بين حركة أمل وتيار المستقبل، لا سيما بعد أزمة مرسوم الأقدمية. وهناك من يشير إلى بوادر أزمة ثقة بين تيار المردة والمستقبل على خلفية تحالف المستقبل مع التيار الوطني الحر في دائرة الشمال الثالثة.
هناك وجهة نظر ثابة لدى الأفرقاء الثلاثة حيال المستقبل. فبالنسبة إليهم التيار الأزرق لم يعد موثوقاً وهو مأخوذ بحساباته المصلحية وجاهز لتقديم كل التنازلات لمصلحة العلاقة مع التيار الوطني الحر والتحالف مع الوزير جبران باسيل. في مقابل هذه النظرة، يعتبر المستقبل أنه يقوم بمصلحته، والقانون الجديد هو الذي يحتّم هذه الحسابات. فالرئيس سعد الحريري قادر على تحصيل حاصلين انتخابيين في البقاع الغربي، ولذلك يريد نائبين، بمعنى أنه لم يعد قابلاً لتقديم الهدايا المجانية. فهو حريص على معركة التمثيل، والفوز فيها في الحصول على أكبر عدد ممكن من النواب. ويردّ المستقبليون على هذه الاتهامات، بالإشارة إلى عدم التحالف مع التيار الوطني الحر في دائرة صيدا- جزين، حيث لدى المستقبل أصوات لحاصلين انتخابيين، وبعد رفض الوطني الحر التنازل عن المقعد الكاثوليكي فض المستقبل التحالف معه واتجه إلى تشكيل لائحة خاصة.
لكن، على ما يبدو أن أزمة الثقة هذه ستتوسع في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية. فالآن كل شيء محصور بلغة الأرقام وبالتنافس على المقاعد، لكن بعد الانتخابات، فإن التحالف السياسي بين التيارين الأزرق والبرتقالي سيتعزز. وهذا ما يترقّبه "الثلاثي" ويعمل على تشكيل جبهة معارضة له. ووفق مصادر متابعة فإن اتصالات تدور بين كليمنصو وعين التينة وبنشعي، لاجل تعزيز هذه الجبهة لرفض أي منطق ثنائي لإدارة البلد وللتركيز على مبدأ التوافق، لأن لبنان لا يحكم بغير التوافق. ويراهن الثلاثي على موقف (حزب الله)، الذي لن يكون ممتناً لانصهار مواقف باسيل مع مواقف الحريري. فتداعيات ذلك لن تقتصر على إدارة شؤون البلد، بل سترتبط بحسابات خارجية وبإجراءات دولية وبشروط مقابل حصول لبنان على الدعم الدولي. وهذا ما يتربّص بالحزب الذي يستعد لمواجهته.
أولى معارك هذا الثلاثي ستتجلى في عملية تشكيل الحكومة. ففيما مسألة رئاسة المجلس النواب خارج الحسابات، لكونها محسومة للرئيس نبيه بري، ستصطدم عملية توزيع الحصص والحقائب في الحكومة بعراقيل كثيرة، خصوصاً إذا ما فتح باسيل معركة ضد بري، عبر طرح نظرية المداورة في الحقائب. أما المعركة الثانية في طريق تأليف الحكومة، فهي رهان المستقبل على زرع مزيد من بذور الشقاق بين التيار الوطني الحر والحزب.