نجح رئيس وزراء العراق حيدر العبادي في مسؤوليته وفي دوره داخل معركة تحرير العراق من تنظيم الدولة والخلافة الداعشية ومن تحرير نفسه من أي تهمة أو ارتباط مباشر بالجمهورية الاسلامية الايرانية وأعلن بشكل واضح أنه ينأى بالعراق عن الخلافات الأمريكية - الايرانية وهذا موقف يسجل لرئيس وزراء العراق من بين كل الذين حكموا العراق من فريق حزب الدعوة ومالوا كل الميل إلى إيران رغم عداوة الدعوة لها إلاّ أن لعبة السلطة فرضت على الحزب الكاره ضرورة التبعية العمياء وخاصة في فترة حكم المالكي السيئة السمعة.
سياسة النأي بالنفس منشؤها لبناني ومهندسها الرئيس نبيه بري الذي وجد في النأي حماية للحكومة واستمراراً لبقاء المؤسسات وخياراً لوحدة اللبنانيين في ملفات وأزمات وحروب اختلفوا فيها وعليها من سورية الى اليمن والسلاح ودوره في الداخل والخارج إضافة الى ملفات وعناوين داخلية كثيرة وقع اللبنانيون في شباك خلافاتها واصطدموا أكثر من مرّة وكادوا أن يسقطوا في حرب داخلية جديدة لولا حكمة البعض ورفض الخارج لفتح حرب أهلية جديدة في لبنان.
إقرأ أيضًا: ماذا لو سقط باسيل عن... ؟
من المعروف أن حيدر العبادي على صلة مباشرة بالوضع اللبناني نتيجة لإرتباطات عائلية ونتيجة لارتباطات سياسية بالمرجعيتين الدينية والسياسية عندما كان قيادياً في الدعوة التي شغل حزبها فترة مهمّة في تجارب المرجعين الدينيين فضل الله وشمس الدين وفي بدايات عمل أمل وفي تأسيسات (حزب الله) إلى ما مرحلة متقدمة من بروز الحزب كمقاومة ضدّ الاحتلال الاسرائيلي دون الانخراط في مشاريع أخرى.
لذا اكتسب الرئيس العبادي صداقات سياسية ومنها صداقة حديثة مع القيادة السياسية للطائفة الشيعية في لبنان وهذا ما أثقل تجربته في رئاسة الحكومة العراقية ووضعه أمام خيارات ناجحة إستطاع من خلالها تقليد الرئيس بري في كيفية أن يكون ضمانة للعراق وللعراقيين دون إستثناء وفي كيفية أن يكون ضمانة عربية وإقليمية و دولية رغم كل التوترات القائمة ما بين إيديالوجية الطائفة التي ينتمي إليها ويمثلها كل من الرئيسين بري والعبادي وتبعيتها المطلقة لإيران وخاصة عندما تمذهب الصراع القائم في المنطقة على خلفية النفوذ الاقليمي والتحكم بسياسات الشرق الأوسط.
وقد عرف العبادي من بري كيف لا يكون ضدّ إيران وليس معها في آن معاً وكيف يمتص طموحاتها الخاصة ولا يكون جزءً منها ولا يلعب في ساحتها الاقليمية كلاعب مباشر في فريق مجهز الأدوار لذا لم ينخرط في حروب المنطقة وبقيت حركة أمل خارج الميدان السوري تحديداً ولم يغلق نافذة علاقة مع العرب وخاصة مع السعودية بل سعى الى فتح كل الأبواب العربية باعتبارها أبواب خير للبنان ولا يمكن للبنان الاستمرار دون إخوته العرب وكذلك الحال مع دول الغرب فلم يقطع مع دوله صلة وبقي في نظرهم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنه كونه المعتدل في وسط يسعى للتطرف ضدّ كل شيء.
إقرأ أيضًا: ماذا لو طرد العرب الروس كما فعل الغرب؟
لا شك بأن العبادي محاط بضغوطات أكبر من الضغوطات التي تحاصر الرئيس بري فالعبادي طرفاً من الأطراف الشيعية وليس كل الطائفة وليس ممثلاً وحيداً للطائفة وليس الأقوى فيها كما هو الرئيس بري في طائفته كما أنه لا يملك حزباً مسلحاً خاصة بعد خروجه الفعلي من حزب الدعوة المسلح وبالتالي ثمّة نتائج حرب ونتائج سياسية وخيمة تحاصر العبادي من كل الجهات وثمّة سياسات مؤثرة في وضع العراق لا يستطيع العبادي الوقوف ضدّها من سياسات عربية وإقليمية و دولية أكبر بكثير من إمكانيات رئيس وزراء العراق.
لكن معرفة العبادي بحنكة الرئيس بري والتأثر بها عملياً جعلته الطرف المقبول في الادارة السياسية من بين أفراد و قوى لا تتمتع باستقلالية ما، فهي متورطة بتبعيات مطلقة ولا مصداقية وطنية لها وهي متورطة بالدم الطائفي والمذهبي ولا يمكن إعادة تجربة من ابتلت يداه بدماء العراقيين لأن ذلك سيؤدي الى كارثة جديدة أسوأ بكثير من كارثة (داعش)، لذا هو الخيار الأرجح و الأكثر صوابية في معادلة السلطة خاصة و أن رئاسة وزراء العراق لم تعد تقرّر من قبل الحرس الثوري أو المخابرات الأمريكية بل بات الموقع الأوّل أسير تجاذبات داخلية و خارجية يسهم المرشح نفسه في اجتذابها اذا ما كان على قدر المسؤولية الوطنية.