تعاني الأقليات العرقية في إيران، وهم الأذريون والجيلاك والأكراد والبلوش والتركمان إضافة إلى العرب، تهميشا اجتماعيا متعمدا ممزوجا بدوافع أيديولوجية تحكم النظام السياسي في طهران، ما يدفع بهذه الأقليات إلى الاحتجاجات والمظاهرات العارمة مطالبة بالإدماج في المجتمع، وهو ما تقابله السلطات بالعصي البوليسية كعادتها.
وقال نشطاء عرب إيرانيون عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي إن أبناء الأقلية العربية نظموا مظاهرات احتجاجية في مدينتي الأهواز وعبادان غربي إيران اللتين تقطنهما غالبية عربية، فيما تحاول السلطات التعتيم الإعلامي عن هذه التحركات وقمعها بالعصي البوليسية، خوفا من توسع نطاقها لتشمل بقية الأقليات في البلاد.
تفجرت مظاهرات شعبية عارمة في إقليم خوزستان الإيراني، الذي يقطنه أغلب العرب الإيرانيين، حاول النظام التعتيم الإعلامي حولها خوفا من توسع رقعتها لتشمل بقية الأقليات المضطهدة في البلاد، فيما تشهد بقية الأقاليم الفارسية غليانا مجتمعيا قد يعجز النظام في طهران عن مواجهة تداعياته، بعد أن تمكن بصعوبة من إخماد الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة التي كادت تعصف به
وأضاف النشطاء أن المظاهرات الاحتجاجية جاءت على خلفية التهميش المتعمد لعرب إيران في وسائل الإعلام الحكومية، حيث يحاول النظام طمس هوية مواطنيه العرب لحسابات سياسية وحقد تاريخي لم يتجاوزه المتعاقبون على حكم البلاد.
وأظهرت المقاطع المسجلة التي نشرها النشطاء إطلاق المتظاهرين هتافات وشعارات مناوئة للتلفزيون الحكومي في إيران، إضافة إلى تعرض المتظاهرين لعنف من قبل الشرطة، ما أدى إلى إصابة العشرات بجروح خطيرة.
وأفاد أحد الناشطين العرب بأن المظاهرات الاحتجاجية بدأت الأسبوع الماضي في مدينة كوت عبدالله، مركز مقاطعة كارون في محافظة خوزستان، مشيرا إلى أنها امتدت خلال الأيام الأخيرة إلى معظم مدن محافظة خوزستان (إقليم الأهواز)، وأن السلطات الإيرانية اعتقلت عددا كبيرا من المتظاهرين.
وتأتي المظاهرات الاحتجاجية للأقلية العربية في إيران على خلفية برنامج للأطفال بثه التلفزيون الحكومي في 22 مارس الماضي، بعنوان “القبعة الحمراء”، استعرض الهويات العرقية في إيران دون أن يذكر العرب، وهو ما اعتبره عرب إيران تمييزا عنصريا ممنهجا.
واستخدمت قوات الشرطة الإيرانية الغاز المسيل للدموع وإطلاق نار لتفريق التظاهرات، واعتقلت العشرات من المتظاهرين الذين يطالبون بالحقوق القومية لعرب الأهواز ووقف حملات القمع الأمني والتعذيب.
وأفادت تقارير إعلامية بأن السلطات الإيرانية جلبت عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي العراقي إلى داخل إيران للاستعانة بهم في قمع الاحتجاجات المناهضة للنظام، حيث وزعت عناصر الميليشيات في إقليم الأهواز والمحافظات الإيرانية الأخرى التي تشهد حركة ثورية غاضبة، تهدف إلى إسقاط الحكومة والمرشد علي خامنئي.
وبرزت المشاركة الواسعة للنساء العربيات في التظاهرات والاعتصامات هتافا وغناء وتشجيعا للشباب، حيث يطالب الجميع بحقهم في تعليم أطفالهم اللغة العربية والعمل في المؤسسات البترولية الضخمة في مدنهم، وحقوق أخرى كثيرة.
وهذه التظاهرات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها تشكل نقلة نوعية في حجم وأسلوب الاحتجاجات، حيث تصاعدت بقوة حركة الشارع حيث استغل المتظاهرون الليل لتكثيف نشاطاتهم في محاولة لإخفاء وجوه المشاركين لتحاشي المزيد من الاعتقالات.
ويرى مراقبون أن اللافت في الاحتجاجات المتواصلة منذ أسبوع هو كسر حاجز الخوف الذي سيطر على الأهوازيين على مدى السنوات الماضية، بسبب القمع والاعتقالات والإعدامات العلنية.
ودعا الدكتور عارف الكعبي، رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة الشرعية لدولة الأهواز العربية، الدول الخليجية والعربية والمؤسسات الدولية إلى الوقوف مع الشعب الأهوازي في الأحداث الجارية التي وصفها بـ”الحراك الثوري”، واتخاذ كافة الإجراءات لتوفير الحماية الدولية له والسماح للمنظمات الحقوقية والإنسانية والإعلامية بنقل ورصد كل ما يجري على الشعب الأهوازي.
عارف الكعبي: أدعو المؤسسات الدولية إلى الوقوف مع الشعب الأهوازي في حراكه الثوري
عارف الكعبي: أدعو المؤسسات الدولية إلى الوقوف مع الشعب الأهوازي في حراكه الثوري
ولا تكتفي السلطات الإيرانية بالتهميش الثقافي للعرب في الأهواز بل تتعدى ذلك إلى التهميش المجتمعي، إذ بلغ الفقر وتدهور الوضع المعيشي بالمواطنين الأهوازيين إلى درجة لا تطاق، حيث تذهب فرص العمل والتوظيف للمهاجرين الذين تأتي بهم السلطات من المحافظات الأخرى لتحرم أبناء الإقليم، الذين يعيشون على بحر من النفط، من فرص العمل والحياة الكريمة.
وسلطت الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة الضوء على أزمة القوميات في إيران، وخاصة في المحافظات الحدودية، التي كانت الشرارة الأولى للمظاهرات التي اندلعت مؤخرا في كامل أرجاء البلاد، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية، واتخذت منحى سياسيا بعد ذلك، إذ طالب المتظاهرون بسقوط النظام الإيراني، والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وانطلقت الانتفاضة الشعبية الأخيرة من المحافظات الحدودية التي تعاني تهميشا متكررا من النظام الإيراني، حيث كشف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن “هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن الانتماء العرقي كان من أهم أسباب انطلاق المظاهرات الإيرانية، فعلى سبيل المثال انطلقت الاحتجاجات في الأساس من مدينة مشهد، التي تضمّ شريحة واسعة من التركمان، والتي تقع على بعد ساعتين بالسيارة من الحدود مع تركمانستان”.
ومن هناك، امتدت الاحتجاجات إلى العديد من المدن الصغيرة في الشمال الغربي والجنوب الغربي من البلاد، ومعظمها في المناطق الكردية والعربية، حيث لم تبدأ الاحتجاجات الكبيرة في طهران إلا في اليوم الثالث، كما اندلعت مظاهرات كثيرة في وسط البلاد في مجتمعات تسكنها الأقليات مثل مدينة كرج التي يهيمن عليها الأذربيجانيون.
ويجمع النظام الإيراني بين كل الأقليات في سياساته القمعية، إذ يمنع استخدام لغاتهم بشكل رسمي، وهم يعانون من القيود المفروضة على الحركة، بالإضافة إلى تجريدهم من الحقوق المدنية الأخرى، وهذا كله كان جزءا من اندلاع الانتفاضة الأخيرة، التي كادت تعصف بالنظام، رغم أن المحرك الأساسي لها كان معيشيا.
وخاض الأهوازيون العديد من الثورات ضد النظام في إيران منذ عام 1925، لكن دون أي دعم أو مساندة دولية، كما شهدت المنطقة أكثر من عشر انتفاضات شعبية وست ثورات، لكن هذه الثورات لم تحقق أهدافها المنشودة لأسباب كثيرة.