تفصل أيام قليلة على موعد الانتخابات العراقية القادمة، التي ستقرر شكل العراق القادم.
ومع بدء العدّ التنازلي، زاد واشتد تقافز أصحاب القوائم والتيارات والائتلافات خلف الممولين والداعمين المحليين والخارجيين، من أجل ضمان أقصى ما يمكن انتزاعه من أصوات الناخبين، بشتى الوسائل، مشروعة كانت أو غير مشروعة، للفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان والحكومة وامتلاك السلطة والمال والقدرة على جرّ العراقيين إلى ما يريده الممولون، أو على الأقل تقليل أو تعطيل ما يزعجهم من قرارات وسياسات.
ولأن غد أي وطن لا يولد إلا من حاضره فإن في إمكان المستقصي الحصيف أن يتلمّس بعض معالم الوطن العراقي الجديد الذي ستلده عواصف الانتخابات القادمة.
فأميركا موجودة فيه، ومعها، حبا أو احتياجا، حلقات واسعة من العرب السنة والشيعة، ما عدا سنّة قاسم سليماني وشيعته، ومعها أيضا الكثير من أكراد الأحزاب القومية والإسلاموية، وفي صفها أيضا التركمان والكثير من المسيحيين، ونتف من قوميات وأديان أخرى.
وإيران موجودة فيه أيضا، وبقوة السلاح والطائفة والإمام الغائب، وممسكة بأهم شرايين الوطن وأوردته، ومعها نوري المالكي وهادي العامري وجيوش حزب الله العراقي واللبناني وكتائب سيد الشهداء وعصائب أهل الحق وجيش المختار ولواء أبوفضل العباس، وبقية التابعين.
فلا نظام الولي الفقيه يقبل ويتحمل ثمن خروجه من العراق، مهما كلفه البقاء من التضحيات والمعوقات والتحديات، ولا أميركا تقبل بأن تتخلى عن العراق وكنوزه النفطية والجغرافية والسياسية والعسكرية.
ولعل أهم ما ينبغي تسجيله هنا أن إيران مكروهة في العراق، ولكنها باقية. وأميركا هي الأخرى ليس مرحبا بها، لكنها باقية هي الأخرى.
ولكن لأن إيران لم تجعل تدخلها في العراق محبوبا، أو مقبولا، من العراقيين، شيعتهم قبل سنّتهم، واختارت أن تتخذ من العراق قاعدة لإطلاق مشاريعها التحريضية والتخريبية والإرهابية ضد دول الجوار فقد أجبرت دول الخليج وحفاءها على التدخل الناعم والخشن في الشأن العراقي، حماية لأمنها الوطني وضمانه.
فإن كان الوجود الإيراني الاحتلالي في العراق حلالا، فمن العقل والحكمة والمنطق والشريعة أن يكون حلالا أيضا تدخّل الآخرين. وبالرغم من أن المراقب السياسي الحصيف لا يقبض حروب التهديدات المتبادلة بين أميركا ووكلائها وبين إيران ووكلائها في العراق وسوريا، إلا أن من السهل عليه أن يتنبّأ بالآتي من الأحداث بعد الثاني عشر من مايو القادم.
في ظل الاحتراب الانتخابي الدامي الحالي الجاري، قولا وعملا، استعدادا لانتخابات الشهر القادم، يمكن تحديد احتمالات ثلاثة كل منها سيجعل العراق القادم عراقا مختلفا عما كان عليه، ربما منذ قرن من الزمان.
الأول، أن ينتصر الحشد الشعبي ونوري المالكي وقاسم سليماني، وتصبح الدولة العراقية في خبر كان، من الآن وللعشرات من السنين القادمة، وسيضمها كبار أعوان الولي الفقيه إلى أملاك الإمبراطورية الفارسية العائدة، ويجعلون من بغداد عاصمتها الجديدة.
وهذا يعني أن معارك تكسير العظام ستنطلق بتفويض قانوني برلماني وحكومي، وبفتوى شرعية دينية وطائفية أيضا. وقد تأخذ من أعمار العراقيين والعرب والعجم سنين عديدة من الدم والدموع.
والثاني، أن يتمكن فريق أميركا، الظاهر والمخفي، من أن ينتزع أغلبية المقاعد في البرلمان والحكومة، تحت رداء شخصية عراقية مداهنة كحيدر العبادي أو غيره.
ومعنى هذا اضطرار الحشد الشعبي وميليشياته إلى استخدام السلاح لتعديل التوازنات وإعادة الهيبة إلى نظام الولي الفقيه، واضطرار المعسكر الآخر إلى الدفاع عن نفسه بالمفخخات والمتفجرات ودواعش من نوع جديد. وهذا شكل آخر من معارك تكسير العظام قد يأخذ، هو الآخر، من أعمار العراقيين والعرب والعجم سنين عديدة من الدم والدموع.
والثالث، أن يبقى الحال على حاله، وأن ينتصر عراق أهون الشرين المتمثل بولاية ثانية لحيدر العبادي الذي اشتهر باللعب على حبال المزاوجة الصعبة بين الصيف الأميركي والشتاء الإيراني.
ورغم أن هذا الحال أقل دما ودموعا، ولكنه يعني استمرار حالة اللاأمن، واللاسلم، واللاإعادة إعمار، واللامحاربة فساد، ولا هم يحزنون.
والسؤال المهم الآن هو أيّ العراقات يريد أهلنا العراقيون؟