استغربت مصادر فرنسية مطلعة حالة الارتباك التي أصابت الجانب التركي جراء الحديث عن وساطة تسعى لها باريس بين تركيا والأكراد في سوريا.
يأتي هذا لتأكيد حالة العزلة التي بدأت تعيشها أنقرة بسبب المواقف المتشنجة للرئيس رجب طيب أردوغان، ما دفع تركيا إلى مراكمة الأعداء إقليميا ودوليا سواء بسبب توتر علاقتها بأوروبا على خلفية قضية المهاجرين والاشتراطات المغالية التي تضعها، أو بسبب التدخل في سوريا وسعي أردوغان للسيطرة على الشريط الحدودي بين البلدين وطرد الأكراد من المناطق التي يسيطرون عليها دون مراعاة مواقف الولايات المتحدة الداعمة لهم.
وقال الرئيس التركي الجمعة إنه “حزين جدا” لموقف فرنسا “الخاطئ تماما” بعدما اقترحت باريس وساطة بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، التحالف العربي الكردي، التي يقاتلها الجيش التركي في شمال سوريا.
وأضاف أردوغان في خطاب حاد ألقاه في أنقرة “أود التأكيد أنني حزنت جدا للمقاربة الخاطئة تماما لفرنسا بخصوص هذا الموضوع″. وتساءل “من أنتم لكي تتحدثوا عن وساطة بين تركيا ومنظمة إرهابية؟”. وهو الموقف نفسه الذي ردده وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وبنفس المفردات حين قال “لا يمكن قبول المقترح الفرنسي بشأن الوساطة، من أنتِ حتى تقومي بالوساطة؟”.
مولود جاويش أوغلو: لا يمكن قبول المقترح الفرنسي، من أنتِ حتى تقومي بالوساطة؟
وأشارت مصادر مراقبة في باريس إلى أن تركيا سبق لها أن فاوضت عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني التركي. كما سبق لها أن استقبلت صالح مسلم أحد زعماء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بين عامي 2013 و2016 فما الذي يمنع إثارة مسألة التفاوض مجددا؟
وهاجم أردوغان فرنسا بقوله “لم تقدم بعد كشفا لماضيها القذر والدموي”، و”بعد هذا الموقف لم يعد لديها حق في أن تشكو بشأن منظمات إرهابية وإرهابيين وهجمات إرهابية”.
وكشف أن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أدلى “بتصريحات غريبة” في اتصال حول سوريا الأسبوع الماضي. وأضاف “اضطررت لأن ألفت نظره إلى ذلك وإن كانت النبرة مرتفعة قليلا” دون مزيد من التفاصيل.
ويعتبر مراقبون أتراك أن أردوغان يتمسك بموقف قومي معاد للأكراد هذه الأيام على الرغم من أنه هو من فتح باب الحوار مع أكراد تركيا في بدايات عهوده.
ويضيف هؤلاء أن أردوغان يبحث عن انتصارات تغطي على الإخفاقات السياسية والاقتصادية داخليا، ويعمد إلى استمرار اختراع الأعداء صونا لسياق تصليب عصبية قومية تؤجل نقاش المعضلات الداخلية.
ويلفت المراقبون إلى أنه بعد انتهاء معركة عفرين أثار الرئيس التركي فجأة السجال حول سنجار ومنبج.
وتعتقد مراجع سياسية في باريس أن ماكرون قد لا يتردد في الدخول في مواجهة سياسية من هذا النوع مع تركيا كجزء من عودة فرنسية إلى المشهد الدولي بعد سنوات من التراجع.
وتلفت مصادر فرنسية إلى أن استقبال الرئيس الفرنسي لوفد عربي- كردي في الإليزيه والدور الذي تسعى باريس إلى لعبه في هذا الملف يجريان بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة وقد جرى التداول في هذا الأمر خلال الاتصالات الأخيرة بين ماكرون والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكان الرئيس الفرنسي قد استقبل، الخميس، وفدا من قوات سوريا الديمقراطية، مؤكدا “دعم فرنسا” لهم، بحسب ما أفاد بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية.
وأوضح البيان أن الوفد ضم “عددا متساويا من النساء والرجال العرب والأكراد السوريين”. وأضاف البيان أن ماكرون أشاد “بالتضحيات وبالدور الحاسم لقوات سوريا الديمقراطية في مكافحة داعش”.
وأكد الإليزيه أنه “يجب مواصلة هذه المعركة معا”، معبرا عن قلقه من “مخاطر عودة ظهور داعش” خصوصا في المنطقة الحدودية مع العراق.
وخلال اللقاء عبر ماكرون مجددا عن قلق فرنسا من الوضع في شمال سوريا حيث انتزعت القوات التركية مؤخرا منطقة عفرين من وحدات حماية الشعب الكردية.
وقالت الرئاسة إن ماكرون يأمل في أن “يجري حوار بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا بمساعدة فرنسا والأسرة الدولية”.
وتعتبر أوساط مطلعة في أنقرة أن ما صدر عن الوفد الكردي بعد اللقاء مع ماكرون بأن فرنسا سترسل قوات عسكرية إلى منبج رفع من وتيرة التوتر مع باريس ما عكس هذا الرد التركي السلبي على دعوات فرنسا إلى التفاوض مع الأكراد.
مظاهرات للأكراد في باريس
وكانت القيادية الكردية آسيا عبدالله، إحدى المشاركات ضمن الوفد الذي التقى ماكرون، قد قالت إنه “ستكون هناك تحركات لأجل عفرين، وأيضا لأجل منبج”، معتبرة أنه “من الطبيعي أن ترسل فرنسا قوات إضافية إلى منبج وغيرها من المناطق لمواجهة الإرهاب، وأن تزيد من دعمها لقوات سوريا الديمقراطية”، مؤكدة أن “الإليزيه وعد بإرسال الدعم اللازم قريبا”.
إلا أن الرئاسة الفرنسية أوضحت، الجمعة، أن باريس لا تنوي القيام بأي عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا خارج إطار التحالف الدولي ضد داعش.
وقال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين “نرفض أي جهد يهدف إلى تشجيع حوار أو اتصالات أو وساطة بين تركيا وهذه المجموعات الإرهابية”.
وتبنى نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ خطا أكثر تشددا وانتقد فرنسا وحذر من أن تركيا ستراقب أي بلد يتعاون مع “الإرهابيين”.
وأضاف أن “تطمين فرنسا لمنظمات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية المرأة الكردية، الإرهابية بتقديم الدعم لها هو تعاون وتضامن واضح مع جماعات إرهابية تهاجم تركيا”.
وأضاف بوزداغ أن “أي جهة تتعاون مع جماعات إرهابية ضد تركيا.. وتهاجم تركيا إلى جانب الإرهابيين، ستحصل على نفس المعاملة التي نعامل بها هؤلاء الإرهابيين”، مؤكدا أنها “ستصبح هدفا لتركيا”.
وتربط بعض التكهنات في واشنطن بأن موقف باريس الجديد قد يأتي من ضمن تبدل في الاستراتيجيات الأميركية في سوريا إن لجهة “تفهم” هواجس تركيا أو لجهة ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من عزم على سحب القوات الأميركية من سوريا بعد القضاء على داعش.
ودفعت الضغوط الداخلية التي يتعرض لها الرئيس التركي إلى ترتيب عملية "اختطاف" لستة من أعضاء حركة فتح الله غولن جرى اعتقالهم وترحيلهم سرا من كوسوفو إلى أنقرة، ما دفع رئيس وزراء كوسوفو راموس هاراديناي، إلى إقلة وزير الداخلية، ورئيس جهاز الاستخبارات.