تناهى إلى مسمعنا في الأيامِ الأخيرة الخبر القائل بأنَّ الجيش التركيّ قصفَ ودمَّرَ ضريح مار مارون في براد وكنيسة جوليانوس المجاورة للقبر، ثمّ شهدنا موجةً من الغضبِ عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعيّ، من المؤمنين ومن بعض السياسيين الذين وصل بهم الأمر إلى الدعوة لتشكيل سرايا مسلّحة من المسيحيين، تذهب إلى الأراضي السوريّة للدفاع عن المقامات المسيحيّة والمارونيّة بشكلٍ خاصّ، اسوةً بالمليشيات الطائفية التي دخلت معمعان الحرب السوريّة بحجّة الدفاع عن المقامات الدينيّة!
غير أنَّ السفارة التركيّة في لبنان أوضحت بأن القبر والكنيسة تعرَّضا للتخريب في العام 2013 على يد إحدى المجموعات السوريّة المتطرِّفة، وبأن القوّات التركية لم تشنّ أيّ غارة جويّة على منطقة براد بخلاف الشائعات المنتشرة في الأوساط اللبنانيّة.
لا شكّ أنَّ إي اعتداء على تاريخ الشعوب هو محطّ شجب واستنكار من جميع الناس على اختلاف مللهم، إلا أن "الأهمّ" يفرض نفسه على "المهم" خاصّة فيما يتعلّق بالحرب السوريّة! لذا فالجريمة الكبيرة التي تستدعي الغضب والإستنكار في هذا الوقت، ليست هدم القبر "المفتَرَض" لمار مارون –لا نملك لليوم أي دليل علميّ يقول بأن القبر المذكور يعود لمار مارون- بل الجريمة هي عمليّة غصن الزيتون بأكملها! الجريمة الكبيرة هي ما يحصَل في الغوطة الشرقيّة وما حصل سابقًا في حمص وحلب ومضايا والفوعة وكفريا وغيرها... الجريمة الكبيرة، جريمة عصرنا هي الحربّ السوريّة التي استهدفت ولا تزال تستهدف الشعب السوري!
وللأسف فإنّ كلّ الدوَل التي تتشدَّق أمامنا بالسعي إلى السلام هي الدول عينها التي تغمِّسُ يدَها ولسانها في الدم السوريّ! كل الدوَل تريد حصّتها في الألم السوريّ والدمّ السوري!
أمَّا نحن الذين نحمل اسمَ مارون وروحَهُ، فلا يعنينا هذا القبر الفارغ! بل القبور المشرَّعة الأبواب لاستقبال الأطفال والأبرياء! لا تعنينا رجمة حجارة أو خرق قماش ولو احتضنت المسيح نفسه! بل الأكفان التي تلتفُّ حول جسد الأنسان الذي وُلِد للحياة لا للموت!
نحنُ نفَضِّل أن تهدم كل الكنائس والمساجد والهياكل على أن يُقتل عجوزٌ واحدٌ يحيا على حافّة القبر! ونحن على ثقة بأن مارون فضَّل ويفضِّل السكن في النسيان والإمحّاء وزوال كلّ ما يذكّرنا به على أن ينقل قبره المفتَرَض بصرنا وتعاطفنا من الإنسان السوريّ إلى الحجر الأصمّ!
فنحن في الشرق للدفاع عن كرامة الإنسان وحياته لا للدفاع عن الصروح والقبور، نحن أبناء الرسالة التي تربطنا بالحاضر أكثر مما تربطنا بالماضي! نحن في الأساس شهود قيامة لا حُرَّاس قبور! فالقبر فارغٌ كقبر الناصريّ! أمَّا الناصري فيحيا ويحيا معه مارون في كلّ المستضعفين من سوريا إلى كلّ أصقاع الأرض!
(الشدياق يوسف "رامي" فاضل)